بقلم/وجدي الصراري”سلمان لقد جعلتْ السماء تمطر دماً”
المملكة لم تكن يوماً ، حليفاً إستراتيجياً أو طبقياً لليمن .
فمنذ إغتيال الرئيس الراحل “إبراهيم الحمدي” ، والذي مال قليلاً عن الخط الخليجي و مشروع الهيمنة ، باتت اليمن مسودة هامشية في دفتر شيكات المملكة السعودية ، التي كان بإمكانها أن تحول اليمن لمقاطعة تابعة لها ، عبر الإقتصاد و التحالف السياسي ، ولكنها وعلى النقيض تماماً كانت تصرف مبالغاً باهضة على مشاريعها التنموية للتخلف في اليمن ( المشائخ و الجماعات المسلحة ) ، وبهذا هي صنعت أدوات سياسية و إجتماعية لها فقط و لم تساعد في حل إشكال اليمن الكلي .
المملكة في النهاية تريد الحفاظ على مصالحها و هيمنتها ، ويبدو أن طريقة إدارة الأزمات كانت أنسب بالنسبة لها من أن تنظر لليمن كشقيقة تحتاج العناية ، وهي من كانت تنام بملئ جفنيها بينما جارتها اليمن يُسمع أنينها من الجوع حتى أقاصي الأرض .
إن الحرب التي تخوضها الدول العشر مع اليمن الآن ، ليست حرباً ، على التمدد الإيراني كما يزعمون ، فإيران على كل حال ليست بمزاج مناسب لمثل هكذا تهور و هروله نحو المجهول ، إيران تعاني من حصار إقتصادي أثقل كاهلها ، ومن حرب ضروس تخوضها إلى جانب سوريا في جغرافيا مختلفة وتتحمل هيا فيها الكثير من التكاليف، و في مواقف مسجلة لها سيشهد عليها التاريخ إن نحن تناسينا !
تبنت الأخيرة مواقف داعمة لشرعية هادي ، ما يؤكد هنا عدم رضاها عن التغلل الذي قامت به جماعة أنصار الله بتجاه صنعاء و بقية المحافظات ، و لكن هذا يعني أيضاً أنها تورطت الآن ، وذلك لآن “انصار الله” في النهاية متقاربون وسيقتربون أكثر من إيران بالتأكيد عندما تقطع علاقات اليمن فعلاً بجارتها السعودية ، وتتحرر من أدواتها ، و هذا يعيدنا لمشهد تاريخي في الثورة الإيرانية ، فسقوط الشاه و تأزم العلاقات الدبلوماسية الإيرانية مع أمريكا و حلفائها ، بما جرى من أحداث دارت في إغلاق السفارات و إحتجاز العاملين في السفارة الأمريكية ، إستدعى إنشاء علاقات إستراتيجية جديدة مع “الإتحاد السوفيتي ” آن ذاك لتلافي الإنهيار الإقتصادي .
إن الإعتداء على اليمن ، هو خطوة إحترازية فقط ، و تهديد صريح وعالي اللهجة لأي تقارب مع إيران في المنطقة ، و الرسالة مسموعة وواضحة بهذا الصدد ، و عليه نتوقع مواقف هادئة من قبل إيران تحاول خلالها إحتواء الأزمة و تخفيفها ، اما بالنسبة لنا فيبدوا أننا مصعدون سواءاً بوعي ، أو بدون وعي حول حجم التكلفة .
لقد كان خطأ أنصار الله الرئيسي في اللحظة الراهنة هو عدم إيجاد صيغة شرعية مناسبة بعد الإطاحة بهادي و إستمرار التحرك صوب بقية المحافظات بصورة إنفرادية مصحوبة بإشكال حول مفهوم الهوية والشرعية معاً ، و هذا الخطا تحدثنا عنه في أطروحات كثيرة سابقة ” ، ويستدل على هذا الخطأ بمظاهرات تحمل صور الملك سلمان اليوم ، ولا تفسر هذه المظاهرات بالعمالة هنا ، فهذا التفسير ليس دقيقاً ، بل تفسر بالعمالة في حالات ، و في حالات آخرى بغياب الوعي السياسي لدى الجماهير، وهذه الأخيرة يجب أن يتم التعامل معها بعقلانية لآن قمعها أو إلصاق العمالة بها بدون شواهد واضحة ستزيد من تعقيد الإنقسامات الإجتماعية الحاصلة .
إن المشهد السياسي اليوم يحمل معه تعقيدات كثيرة ، وصورة مشرقة لمستقبل البلد من “باب السخرية” فقط ، ومن تداعيات المشهد نستنتج أن ثورة الـ11 من فبراير 2011 فعلاً كانت ثورة ضد هيمنة المملكة بإستهداف أدواتها ، و مستدلين هنا بمواقفها من قوى الثورة ووقوفها مع النظام ، و بمحاولة السيطرة على الحراك الإجتماعي و إحتكار الصراع السياسي بآلية المبادرة الخليجية ، و الثورة التي تبعتها في الـ21 من سبتمبر أتمت المهمة الفعلية لسابقتها ، ويستدل على كلامي بتداعيات المشهد الحالي ، وعلى غفلة من الجميع أصبحنا ننام تحت رحمة طائرات التحالف التي تقوده “الشقيقة الكبرى” ، متناسيه عدم قدرتنا على تحمل مبادرة خليجية آخرى فمابالكم بعمليات القصف التي تعمل على ملشنة – إن جاز الإشتقاق– مالم يتم تحويلة لمليشيا حتى الآن .
إن المملكة جعلت السماء تمطر دماً ، وهنا لم يعد لدينا أي خيار غير الخروج من مربع هيمنتها التي تفرض علينا الجوع بقرار سياسي فقط ، ولكن وفي نفس الوقت يجب أن نعود للعمل السياسي ، وعبر آخر الوثائق شرعية “إتفاق السلم و الشراكة” الذي يستوجب على كل القوى السياسية أن تعمل على فك وثاق التسلطن المفروض علينا بأقل خسائر ممكنة فالتمترس الجاف سيقودنا لكارثة أنسانية ، و نتسائل جميعاً هنا أيهما أغلى ( الإنسان أم الكرامة ) ؟
والجواب بالتأكيد سيتفاوت ولن يكون واحداً فأنا على الأقل أفضل الكرامة و غيري بالتأكيد سيوافقني الرأي و آخرون سيختارون الإنسان وهؤلاء يجب أن تحترم وجه نظرهم .