دماء الرئيس الشهيد ( إبراهيم الحمدي ) .. لن تذهبْ هدراً
الهدهد / مقالات
صلاح محمد الشامي
- محاكمة التاريخ أولى أسس البناء الصحيح لدولة تؤمن بالعدالة والحريات، ولا تتعامل من خلف الطاولة، بل تسعى لتحقيق آمال الجماهير العريضة، التي هي أساس البناء، والتي كانت منذ اغتيل الرئيس ( إبراهيم الحمدي ) غدراً، لا تمتلك سوى إرسال الدموع على الخدود، وتسعى لوأد أحزانها ودفنها في الصدور، التي ما عادت تحمل بعد غياب ( إبراهيم ) إلا أن تقول كما قال سيد الخلق محمد صلى الله وسلم عليه وعلى آله، في وداع ابنه ( إبراهيم ) : ( إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنّا لفراقك يا إبراهيمُ لمحزونون )، وإنه والله ليستحق منا كل هذا الحزن وكل هذا الدمع، ولكن الشعب اليمني لم يكن عليه أن يدمع إلى آخر الزمان، فبعد أن انقطع الأمل لديه في دولة تقتص لدماء الحمدي، جاءت الدولة التي تقتص لدماء أشرف الرؤساء وأشمخهم هامة، ولسوف تحاكم كل من اشترك في دمائه الطاهرة، من الأذيال والعبيد الذين حكمونا عقوداً، على حساب دماء الحمدي، وأسيادهم الذين نَصَّبوهم على الكراسي، وأولهم نظام آل سعود التعس، الذي كان وراء كل عملية اغتيالٍ استهدفت زعيماً عربياً حُراً، كالحمدي، وجمال عبدالناصر الذي مات مسموماً .. النظام الذي يسعى حالياً لوأد ثورتنا، ولن ينال مناه، بل ستقتلعه هذه الثورة من جذوره وتريح العرب والمسلمين من شروره ..
- كنت صغيراً حين كانت أمي تحدثني عن ( إبراهيم الحمدي ) وكيف كانت الأوضاع المعيشية طيبة لدى كل الناس، كان الكل يحب الحمدي، لم يكن حباً عاديّاً، كان تعلقاً من نوع خاص . قالت لي : عندما كان يخطب أو يلقي كلمة عبر الإذاعة، كان الناس يتسمرون في جذل لاستماع ما يقول، وكأنهم ينتهلون كلماته انتهالاً، كانت كلماته قوانيناً لها قداستها. لقد اكتسبت ذلك من حبه للشعب وللوطن، والعمل الجاد والدّؤوب لأجلهما، وقد أثمر كل ذلك رفاهاً وعزة للمواطن اليمني، وفي كل المجالات، كذلك من مواقفه القوية تجاه النظام السعودي، وأشهر هذه المواقف تلك المقولة التي يرددها الجميع، حين زار الحجاز، فسُئل عن حدود اليمن، فرد بقوله : ” إسألوا الركن اليمان ” .
- لم يصعد إلى الحكم على دبابة، ولا على مسدس كاتم للصوت، كما صعد من صعد على دمائه، بل قاد انقلاباً أبيض، على حكم الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني، بعد أن رأى أن حكمه كان ضعيفاً وغير فعّال. ودون أن تُراق قطرة دم واحدة، استجاب لمطالبه القاضي الإرياني، قائلاً : “لا أريد أن يُسفكَ دم دجاجة من أجل هذا الكرسي” .. ولنا أن ننظر كم كان هنالك وعي وإنسانية ووطنية لديهما الإثنين، الرئيسين الإرياني والحمدي، وذلك قبل 45 سنة من الآن.
- صعد الحمدي لإدارة شؤون البلاد، وأول ما فعله إلغاء وزارة شؤون القبائل، التي كان يديرها عبدالله بن حسين الأحمر، وقام بإقصاء كل المشائخ القبليين عن الكراسي الحكومية، قائلاً: “لمجرد أن أحدهم شيخ قبيلة فهذا لا يعطيه امتيازاً لتولي منصب حكومي” .. ولذلك كان مشائخ القبائل ألدَّ أعدائه وخصومه، ولقد كانت نظرته صائبة، فهاهو ذلك النوع منهم يكيلون للبلاد كل هذا الشقاء، الذي ليس له من شفاء إلّا إقامة دولة لا ترتهن إليهم، دولة يسود فيها النظام والقانون، دولة تحاكم التاريخ، وتبني الحاضر وفق المعطيات المتاحة، وتعمل لتأمين المستقبل، منطلقة من أسس ثابتة، وبخطوات جريئة وواقعية.
- لم يكن الحمدي يناسب زمنه، لقد كان طفرة جاء بها الزمن قبل موعدها، لم يكن الشعب قد وصل إلى ما هو عليه الآن من وعي، ليحافظ على رئيسه، أو يخرج للشارع رافضاً كل من يستولي على السلطة على دمائه، حتى تتضح له الحقائق، ولم يكن ذلك الزمن قادراً على استيعاب كل هذا..
- رحل الحمدي، وتسلق السلطة من أحال اليمن إلى جحيم، قتل واختطاف شمل الآلاف، لم تزل مصائر معظمهم حتى الآن مجهولة، كل من انتمى إلى حركة 13 يونيو التصحيحية تم استهدافهم، لم ينجُ منهم إلا من ساعده القدر، وبسبب ذلك سكتوا على مضض، ولم يكن سكوتهم هذا بمعنى السكوت المستسلم الخانع، فهم لم يدخروا جهداً في القول والعمل، وكان جهاز أمن الدولة يتتبعهم، ويعتقلهم، ويعذبهم، ويقتلهم، ويخفيهم قسراً.. كان حتى الحديث عن مصير أحدهم يعد جريمة خيانة كبرى، يُعتقل سياسياً مُرتكبها.
- ثورة 21 سبتمبر هي الوحيدة من أعاد التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الحمدي؛ لأنها ثورة انطلقت من الشعب، لتعبر عن الشعب .. هي ثورة أعادتْ تصحيح مسارات جميع الثورات السابقة ( 62-63-2011) و( حركة 13 يونيو التصحيحية )، الثورات التي صنعها الأحرار، وضحى لأجلها الأبطال، واستغلها الأنذال.. اليوم، ثورة 21 سبتمبر تحاكم التاريخ، لتعيد بناء الواقع وفق أسس حقيقية وعادلة، تعبر عن الشعب الذي انطلقت به، ومنه، ولأجله .. ولهذا فهي منتصرة بإذن الله. منتصرة، وستعيد لليمن دوره الريادي، وحقه السيادي على أرضه… على كل أرضه، مهما طال الزمن، ومهما كانت الصعاب، فهي ثورة شعب، لا تعرف المستحيل.