السيّد القائد.. أربعون ربيعاً عمر السنن الإلهيَّة
الهدهد / مقالات
زيد البعوة
من أين نبدأُ الحديثَ عن قائدٍ عربيٍّ مسلمٍ يعجزُ التاريخُ عن مواكبته والبلوغ إلى مقامه العالي والرفيع عند الله وعند الناس؟، عجز المؤرِّخون والكُتّابُ والفلاسفةُ عن الوصول إلى مستوى عظمته، بصماته على جبين العصر تتوالى تَتْرَى، يصنع التغييرَ في واقع الحياة ويغرس الأملَ والعنفوانَ في نفوس المستضعفين، أربعون ربيعاً مرّت من عمره، عاشها وعشنا بعضها تحت قيادته بحلوِها ومرِّها ولينها وشدتها وسهلها وصعبها، مشوار حياة قائد بدأ منذُ سنوات ولا يزالُ في البداية ولن ينتهيَ حتّى يأتيَ أمرُ الله بتدشين مشروع ربّاني وعد به صادقُ الوعدِ في سورة الإسراء.
كان مختلفاً ولا يزالُ عن غيره اختلافاً تصاعُدياً في سُلَّمِ الكَمَالِ، إذ أَنه يحظى برعاية إلهيَّة خَاصَّة، كان كبيراً حتّى وهو لا يزال صغيراً، كبيراً بتواضعِه وعلمِه وشغفِه بهدى الله، فكيف سيكون وهو في عمر الأربعين؟! في سِـنِّ الرُّشْـدِ رغم أَنه السنُّ الذي لم يفارقه منذُ طفولته، فهو كان ولا يزال وسيبقى راشداً زاكياً تقياً باراً بوالديه وحريصاً على أُمَّـة جدِّه، روحه هي نفسها المسؤولية وليس كالبعض يحتاجُ إلى أَن يتحلّى بروح المسؤولية، رجل القول والفعل كما وصف نفسَه ذات يوم غيرَ متباهٍ في موقفٍ أجبره على قول ذلك؛ لأَنَّه كذلك، قال أم لم يقل، والواقعُ يشهد بذلك، رجل العبادة والقيادة والريادة والسماحة والرحمة والشدة والعزة والكرامة، رجل يحبُّه اللهُ ويحبُّ اللهَ وتحبُّه الملائكةُ ويحبُّه الكثيرُ من عباد الله من الجن والإنس، ولا يبغضه إلّا الشيطانُ والمنافقون والمستكبرون وأعداءُ الله من اليهود والنصارى..
في الضاحيةِ الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، احتفل جمهورُ المقاومة قبل أَيَّـام بعيد ميلاد سيّد المقاومة السيد حسن نصر الله -يحفظُه اللهُ-، الذي وصَلَ إلى سِنَّ الستين عاماً، كان الأمرُ محزناً نوعاً ما لمَن يعرفَ أهميّةَ العظماء وتساءل الكثيرُ مع أنفسهم: كيف وصلت الستين يا نصرَ الله ونحنُ في أَمَسِّ الحاجة إليك في عمر أصغر؟ هل نحنُ في سباقٍ مع الزمن حول شخصيتك العلوية؟ لقد فرض الزمانُ علينا ذلك، وننتقلُ من بيروت إلى اليمن، هناك سباقٌ آخرُ مع الزمن حول شخصية ربانية تتمثّل في قائد المسيرة القرآنية السيّد عَبدالملك بدر الدين الحوثي -يحفظُه اللهُ-.
في الحربِ السادسة التي شنَّها النظامُ السابقُ على محافظة صعدة، واشتركت فيها القواتُ السعوديّةُ نهايةَ عام 2009 بدايةَ 2010، قامت إحدى الصحف بإجراءِ مقابلةٍ صحفية مع السيّد عَبدالملك الحوثي -يحفظُه اللهُ-، وكان من ضمنِ الأسئلة التي وُجِّهت إليه، سؤالٌ عن حياته الشخصية وعن عمره، فكانت الإجابةُ أَنه في الثلاثين من عمره، واليومَ ونحنُ في نهاية عام 2019 بداية 2020 تبادرَ إلى ذهني أَن السيدَ القائدَ اليومَ وصلَ إلى مرحلةٍ عمريةٍ مفصليةٍ، وهي سِنُّ الأربعين بما يعنيه هذا السن وهذا الرقمُ الزمنيُّ بالنسبة للإنسان المؤمن، إلى درجةِ أَن اللهَ وجّه المؤمنين عندما يصلون إلى هذا المستوى من العمر أَن يتوجّـهوا إليه بدعاء خاص (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ).
نزلت قبلَ أَيَّـام صورةٌ فوتوغرافية وزّعها الإعلامُ الحربيُّ وانتشرت بشكل كبير في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي للسيد عَبدالملك، كان واضحاً أنها من آخرِ الصور التي تم التقاطُها له؛ لأَنَّ من يدقّق في الصورة وفي ملامح السيد القائد، سيجدُ أَن الشيبَ بدأ يغزو لحيته الشريفة، وكيف لا يفعل الشيبُ ذلك بقائد تكالب عليه طواغيتُ الأرض من كُـلِّ حدب وصوب؟ كيف لا يغزوه الشيبُ وقد انهال عليه شرُّ الملاعين من اليهود وَالنصارى وأعراب العرب المنافقين أحذية الأمريكان والصهاينة؟! وبعيداً عن الحديثِ عن الصورة، دعونا نتحدِّثْ عن المرحلة العمرية لهذا القائد ونستفيد من ذلك شيئاً مهماً من هذه الشخصية العظيمة ما قبل وصوله إلى سِنِّ الأربعين وما بعد.
قد يبدو الأمرُ عادياً وغيرَ مهمٍ من وجهة نظر البعض، لكن لمن يتعمّق في الآيات القرآنية، سيجدُ أَن هذا العمرَ بدايةُ مرحلة جديدة، ليس فقط بالنسبة للزمان وإنما بالنسبة للشخصية إيْمَانياً وعملياً وفي مختلف المجالات، ويختلف الحالُ عندما يتعلّق الأمرُ بشخصية استثنائية وعلمٍ من أَعلام الهدى، لو مررنا على الآية الخامسة عشرةَ من سورة الأحقاف، سنجدُ السيّدَ عَبدالملك هناك من حيث المرحلة العمرية، لكن لو عرّجنا على الآية الرابعةِ عشَرَةَ من سورة القصص سنجدُ السيد عَبدالملك هناك أَيْـضاً من حيثُ المسؤولية (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)، وكذلك في سورة يوسف الآية الثانية والعشرين، صحيحٌ أَن هذه الآيات تتحدّث عن نبي الله موسى وعن نبي الله يوسف -عليهم السَّلامُ-، لكنها ليست حكراً عليهم؛ لأَنَّها تضمّنت سُنةً إلهيَّة ثابتة على مرِّ التاريخ حين ورد في آخرِها قولُه تعالى: (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) وهل هناك أحد في هذا العالم أكثر إحساناً اليوم من السيد عَبدالملك وهو يقودُ أكبرَ وأعظمَ معركة جهادية في وجه الطاغوت والاستكبار؟، ومعروفٌ أَن الجهادَ هو أعلى قمة في هرم الإحسان وذروة سنام الإسلام، ناهيك عن بقية جوانب الإحسان التي نعرف منها الكثير وغيرها من الأعمال والمواقف التي سمعنا بعضاً منها ونحنُ على يقينٍ من حقيقتها في شخصية السيّد عَبدالملك الحوثي -يحفظُه اللهُ-.
خليفةُ الله في أرضه ووارثُ الأنبياء والمرسلين ووصيةُ محمد -صلواتُ الله عليه وآله- وحفيده ووارث أهل بيته من بعده، قائد أحفاد الأوس والخزرج من نصروا الإسلامَ ونصروا رسولَ الله في بداية الرسالة المحمدية، بوابة واسعة من علم جدِّه الكرار توصِلنا مباشرةً إلى بوابة علم المصطفى، جهاداً وكفاحاً وثباتاً وصموداً ونوراً وبصيرةً ووعياً وتقوى وإيْمَاناً، تحطّمت على أعتابه كُـلُّ مكائد وإرهاصات الكفر والباطل والنفاق والطاغوت، قائد المستضعفين ووعي زين العابدين وبصيرة الإمام زيد وجهاد الإمام علي وعلم الإمام يحيى بن الحسين الهادي إلى الحق، ثقافته قرآنية ونشأته محمدية ومراحل حياته كلها كفاح وعمل، يثمر دائماً بلا انقطاع ثماراً قرآنية إيْمَانية يتغذى منها أرواحُ العطشى لهدى الله وعقول سقيمة لنور الإسلام وقلوب جائعة لثقافة الفرقان، ويهطل من بين حناياه غيثٌ مدرارٌ يسقي به جداول وشرايين أدمغة المؤمنين المتقين الأبرار، غيثاً من الحكمة والتربية والأخلاق الحسنة في عصرٍ تكاد وحشةُ عتمة الباطل أَن تسيطرَ على تلابيب الكثير من أبناء هذه الأُمَّـة؛ لهذا من لا يزال يرى في أعماقه ظلاماً عليه أَن يتركَ السيد عَبدالملك يُشرق في داخله؛ كي يبدّدَ دجى الظلام بنور فجر شمس ولي الله في آخرِ الزمان.
اليهودُ يعرفون ماذا يعني وصولُ علم من أَعلام الهدى إلى هذه المرحلة العمرية الحسّاسة والمهمة والمفصلية؛ لأَنَّ لديهم خبرةً بالسنن الإلهيَّة، مرحلة مرَّ بها موسى وآتاه اللهُ حكماً وعِلماً وغيّر على يديه حياةَ بني إسرائيل، وأنقذهم من طغيان وبطش فرعون، ومرحلة مرَّ بها يوسف ولما بلغها آتاه اللهُ علماً وحكماً؛ ولأَنَّنا في عصرٍ ربما هو آخر الزمان، ولدينا الكثيرُ من الدروس والعبر والشواهد والأدلة ما يجعلنا ندقق ونقارن ونصلُ إلى نتيجةٍ حتميةٍ لا ينكرها إلّا جاحدٌ، وهي أَن الإلهَ الذي اصطفى هذا القائد وأمّده بالعون والسداد وأودع حبَّه في قلوب الكثير من الناس، وحقّق على يديه الكثير من المعجزات والإنجازات والانتصارات لا شكَّ أَنه بعد بلوغ مرحلة سِـنِّ الرُّشْـدِ سيمنحه الكثيرَ من الأمور الغيبية ويحقّق على يديه الكثيرَ من الإنجازات والانتصارات لهذه الأُمَّـة.
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا) مرحلةٌ عُمريةٌ جديدةٌ ومرحلةٌ عمليةٌ جديدةٌ، مسؤولياتٌ أكبرُ ومواقفُ أعظمُ وصراعٌ شاملٌ متعدّد في شتى الميادين المختلفة، وأهــمُّ ما في الأمر أَن سُنَّةَ الله تشقُّ طريقَها في شخصية قائد ثقته بالله هي العروة الوثقى التي لا انفصامَ لها، شخصية تنهلُ من معين محمد ويكمُنُ فيها اطمئنانُ إبراهيم الخليل، ويترعرع بين جوانبها إحسانُ موسى وفي دمه يتدفّق عيسى وبين أضلاعه ينمو نبيُّ الله نوح، وفي جسده الطاهر تفسيرُ سورة الأنبياء وكذلك نجزي المحسنين، سنة إلهيَّة لا يمكن أَن يقف في طريقها أحدٌ ولا يستطيع الباطلُ أَن يعرقلها من أَن تتحقّقَ مهما طال الزمانُ ومهما كانت التحديات.
ولو جئنا لنتساءلَ: ما الذي فعله وحقّقه نبيُّ الله يوسف ونبي الله موسى عند بلوغهما إلى قوله تعالى: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا) سنجد أَن نبيَّ الله يوسف استطاع بفضل الله أَن يصنعَ حالةً من التغيير في مختلف المجالات على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والفكري والثقافي والسياسي وحتى العقائدي في أوساط مجتمع مصر، وانتقل بهم نقلةً نوعيةً وربطهم بالله تعالى وجعلهم يخرجون من الروتين السابق الذي كانوا عليه، المشحون بالضلال والكفر والظلم والضياع والتيه وكذلك الحال بالنسبة لنبي الله موسى -عليه السَّلامُ- بلغ هذا السن وآتاه اللهُ العلمَ والحكمةَ، وانطلق للتغيير في وسط المجتمع الذي كان يسيطرُ عليه فرعونُ وهامانُ وأنقذهم من بطش فرعون وجبروته وطغيانه، ولكن بني إسرائيل لم يستجيبوا لله كما ينبغي ولم يتفاعلوا مع موسى بالشكل المطلوب، فحصلت لهم عقوبات كثيرة من قبِل الله.
ثم لو نأتي إلى عصرنا الحاضر وإلى شخصية السيّد القائد وإلى هذه الآيات القرآنية وإلى قوانين وسنن الله، ونقارن بين الماضي وبين الحاضر سنجد أَن سننَ الله ثابتةٌ ولا يمكن أَن تنتهي لا بزمان ولا بمكان، ولا تقتصر على شخصيات معينة وأَن اللهَ يصطفي من الملائكة رُسُلاً ومن الناس، وأنه تعالى اصطفى ورثتَه لكِتابه القرآن الكريم، يقومون مقامَ الأنبياء والمصلحين في الأرض، وفي مقدّمتهم أهلُ بيت رسول الله محمد -صلواتُ الله وسلامه عليهم- وفي عصرنا الحاضر لو نأتي لنبحثَ عن شخصية إيْمَانية جهادية قرآنية تعمل وفقَ تعاليم الله وتعمل على النهوض بأُمَّـة الإسلام وعلى إخراج الناس من الظلمات إلى النور بحرصٍ وصدقٍ ومسؤوليةٍ، سنجدُ أَن السيدَ عَبدالملك هو الذي يتصدّر المشهدَ وهو من تنطبق عليه هذه المواصفات ولا يمكنُ أَن تحيدَ عنه سُنَنُ الله في العظماء الأولياء من عباده.
ونحنُ كمجتمع مسلم عايشنا هذا القائدَ وعاصرناه ومرّت به وبنا الكثيرُ من الأحداث والصراعات، ورأينا الكثيرَ من الأدلة والشواهد والإثباتات التي تدلُّ على عظمة هذا القائد وعلى ارتباطه بالله وعلى اهتمامِه الكبير بهداية ورفعة وعزة وكرامة هذه الأُمَّـة، نجدُ أَنه من الضروري ومن الواجب الشرعي والديني علينا أَن نواكبَ هذا القائدَ وأَن نكونَ عند مستوى عظمته وأَن نطيعه ونسلّمَ له تسليماً مطلقاً؛ لأَنَّه يربطنا بالله أولاً وبالقرآن وبأهلِ البيت ويقودُنا نحوَ الله ونحوَ الحرية والكرامة والاستقلال، حتّى يؤيِّدَنا اللهُ ويكونَ معنا في السراء والضراء وينصُرَنا على أعدائنا ويحقّقَ على أَيدينا النصرَ والتمكينَ الذي وعد به عبادَه وأحبابَه وأنصارَه.
أَلَا يكفي أَنه ألدُّ أعداء اليهود والنصارى وأكبرُ الخصوم للمنافقين من العملاء الأعراب من ملوك وقادة الخليج الطواغيت؟ أَلَا يكفي أَنه عدوُّ نتنياهو وعدوُّ ترامب وعدو آل سعود وعيال زايد؟ أَلَا يكفي أَن مواقفَه جميعها تصبُّ في خدمة دين الله ورفع راية الإسلام ونصرة قضايا الأُمَّـة العربية والإسلامية وفي مقدّمتها قضيةُ فلسطين والمسجد الأقصى؟ أَلا يكفي أَنه يُرشدنا ويعلمنا ويثقفنا ويبصرنا بدين الله، ولديه رصيدٌ كبيرٌ من المخزون الثقافي والفكري والمعرفي والعقائدي والديني وحتى السياسي والاقتصادي؟ أَلَا يكفي أَنه محارب ومطارد من قبل الطواغيت والمستكبرين من العرب والعجم ليس لشيء سوى أَنه يصدعُ بالحقِّ ويواجه الباطلَ والمنكرَ ويعمل على رفع رأس هذه الأُمَّـة وإعلاء كلمة الله؟ أَلَا يكفي أَنه قال ذات يوم صادقاً: لا نخشى أمريكا ولا إسرائيل ولا أيَّةَ طاغيةٍ ولا أي مستكبر في هذا العالم؟ وقال: إذَا كان لنا أَن نخافَ فإن من نخافُ منه هو الله الملك الجبّار ملك السماوات والأرض أَلَا يكفي؟، وهذا بحدِّ ذاته يكفي أَنه في خطابِ المولد النبوي لهذا العام 1441هـ وجّه تهديداً وتحذيراً شديدَ اللهجة للكيان الصهيوني رغم ظروف العدوان والحصار؟ كُـلُّ هذا وأكثر إلى درجة أَن قائدَ المسيرة القرآنية السيّد عَبدالملك الحوثي -يحفظُه اللهُ- أصبح محطَّ أنظار المؤمنين والمستضعفين والأحرار في شتى أصقاع الأرض إلى مستوى أَن الكثيرَ من الناس بمختلف انتماءاتهم وتوجّـهاتهم يثنون عليه ويشيدون به، ويعتبرونه أملاً ومنقذاً للمستضعفين من شرِّ وجبروت الباطل، حتّى وصل به الحالُ أَن السيدَ نصر الله الأمين العام لحزب الله وصفه أكثر من مرة بالقائد الشجاع والحكيم، وتمنّى أَن يكونَ مجاهداً تحت قيادته، ومعروفٌ من هو نصر الله وما هي مواقفه وكم نسبةُ عظمته عند الله وعند الناس؟ ومع ذلك لم يأنف من أَن يعلنَ أمام العالم أَنه يتمنّى أَن يكونَ أحد أفراد السيد عَبدالملك؛ لمعرفته بعظمة هذا القائد.
من عام 2004 إلى عام 2010 ستُّ حروب شهدها هذا القائدُ ولم يهتز ولم يُهزم، وقاد ثورةً شعبيّةً في عام 2014 ضدَّ الوصاية الخارجية والفساد والخيانة والهيمنة الأجنبية وانتصر، وخمسُ سنوات مرّت من عدوان أمريكي سعوديّ إماراتي صهيوني قاد فيها السيدُ عَبدالملك ثلةً من المؤمنين من أبناء الشعب اليمني الصامد، وحقّق اللهُ على يديه انتصارات أذهلت مشارقَ الأرض ومغاربها، أعوامٌ من الصراع والتغيير سبقها أعوام النشأة المفعمة بالتربية الإيْمَانية حتّى وصل إلى سِـنِّ الرُّشْـدِ وعمر السنة الإلهيَّة التي لا بُـدَّ له من الولوج منها، مستأنفاً قيادته للمسيرة القرآنية برصيد حافل بالدروس والعبر والإنجازات والحكمة والمسؤولية والانتصارات.
يجبُ أَن نلغيَ المسافةَ بين الخيال وبين اليقين، ونحرق عتمةَ الشك بنور الحقيقة الساطعة كالشمس، يجب أَن نجبرَ ظهورنا على الانحناء أكثر في محاريب القداسة؛ شكراً للواهب ويجب أَن نطلقَ العنان لألسنتنا تلهج بالذكر حتّى يتغلب التسبيحُ والاستغفارُ على الغدد الدرقية التي ترطب الأفواه باللعاب، لم يعد الأمر مجرّد مواعظ تتردّد، أَو خطب يتم إلقاؤها من على منابر المساجد، لقد حصلت الكثيرُ من المعجزات وتم تلاوةُ الكثير من الآيات ودمغ اللهُ الباطلَ بالحق على أَيدينا، حتّى سمع العالمُ صدى عويل الطواغيت لشدة خوفهم وقلقهم من هذه المسيرة وعظمة قيادتها وثقافتها.
أحداثٌ ومتغيراتٌ، منعطفاتٌ ومنحنياتٌ وطريقٌ مستقيمةٌ لا عوجَ فيها، مواقفُ كثيرةٌ لشدة عظمتها تكادُ الجنُّ تعلنُ عقدَ اجتماع جديد يشبه اجتماعهم الأول في عصر الإسلام الأول، الذي سطّره اللهُ في القرآن: (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ) واليوم نفس الحكاية وَنفس القرآن ولكن على نفس المنوال الذي سلكة محمدٌ، إنها مسيرةُ محمد -صلوات الله عليه وآله-، بل إنه الحديثُ النبوي الشريف يتحقّق في واقعنا، لا يصلح آخرُ الأُمَّـة إلّا بما صلح به أولها، ومعروفٌ ما هو الذي أصلح اعوجاجَ بداية الأُمَّـة، وهل هناك شيء غير القرآن ومحمد والجهاد والإيْمَان الذي حمله قرينُ القرآن حتّى صار بابَ مدينة علم الرسول؟ وهذا ما نحنُ عليه وإن اختلف الزمانُ والمكانُ.
اليومَ علينا جميعاً أَن نتوجَّـهَ إلى الله بهذا الدعاء، الصغير فينا والكبير وليس فقط السيد عَبدالملك، نشكُرُ اللهَ الذي أنعمَ علينا بهذا القائد ونقولُ: ربنا أوزعنا أَن نشكرَ نعمتك التي أنعمت علينا، نعمةَ القيادة ونعمةَ الهداية ونعمةَ العمل بما أمر اللهُ، ونعمةَ التسليم المطلق لما وجّه إليه الله، وأَن نطلبَ منه جلَّ وعلا أَن يطيلَ في عمر السيّد القائد وأَن يجعلَنا له سامعين مطيعين وأَن يعينه وينصره ويوفقه، وفي الأخير الحمدُ للهِ الذي خلقنا في عصر السيد عَبدالملك.