أهمية دور الأسر المنتجة
إبراهيم الهمداني
كان للإنتاج الرأسمالي المتسارع، القائم على الربحية المحضة، الأثر السلبي الكبير على وضع الفرد والمجتمع، حيث تحولت الأسرة من مدار الإنتاج والاكتفاء الذاتي، إلى مدار الاستهلاك الخالص، والاعتماد على المؤسسات والشركات والمصانع الكبيرة، في توفير متطلبات وضروريات الحياة للفرد والمجتمع، وبالرغم من أهمية دور الإنسان في عملية الإنتاج الرأسمالي الربحي، إلا أنه لم يتجاوز كونه مادة للإنتاج، وآلة لتحقيق مزيد من الأرباح، لصالح إمبراطوريات المال الكبيرة، وممالك الإقطاعيات واسعة الثراء.
وبناء على ذلك قامت امبراطوريات المال والإنتاج، بإعادة فرز العالم وتصنيفه إلى عالم متقدم منتج، وعالم متخلف مستهلك، ثم منحت نفسها حق استغلال الثروات البشرية والاقتصادية، الخاصة بالشعوب المستهلكة، بحجة تنميتها وتطويرها، ولأن القاعدة تقتضي أن من امتلك المال، امتلك القوة والهيمنة، فقد نتج عن التبعية الاقتصادية – التي فرضتها الدول الرأسمالية الكبرى، على الدول النامية المستهلكة – تبعية سياسية، وصلت حد الاستلاب والتسليم المطلق لسلطة المال وهيمنته، وهذا ما جعل الأوضاع في الدول النامية عامة، واليمن على وجه الخصوص، تسير من سيئ إلى أسوأ، وإلى تدهور الوضع الاقتصادي، وتردي مستوى المعيشة إلى أفاق مظلمة لا نهاية لها، خاصة في ظل العدوان الإجرامي العالمي، والحصار الأممي المطبق على اليمن، براً وبحراً وجواً، حيث كانت استراتيجية العدوان الأولى هي التجويع حتى التركيع.
وفي ظل هذه الظروف المعيشية الراهنة، التي تجاوزت صعوبتها وأعباؤها كل توصيف، كان لزاماً على الأسر اليمنية العودة إلى ماضيها الإنتاجي الاقتصادي، واستغلال التقنيات الحديثة في استعادة وتفعيل قنوات الإنتاج الموروثة، وابتكار خطوط إنتاج جديدة، تتناسب مع متطلبات وضروريات الحياة الراهنة.
وإذا كان نموذج الاقتصاد المنزلي يعبّر في طبيعته عن مرحلة تاريخية سابقة، في تاريخ المجتمع اليمني، فإن أسباب استعادته في اللحظة الراهنة تعود إلى شراسة الأزمة التي يعاني منها اليمنيون، بسبب العدوان والحصار، من أجل ترشيد الإنفاق والاستهلاك، وإيجاد حالة من التوازن بينهما، وتوجيه الأسرة لإنتاج ما تحتاج إليه من مواد استهلاكية أساسية، إضافة إلى التخفيف من النزعة الاستهلاكية المرتبطة بحركة الأسواق، والسعي نحو تمكين وتكييف الاقتصاد المنزلي وآليات اشتغاله، بما يتناسب مع وضعية الفرد الذي بات يعتمد على القيم الاستهلاكية، من خلال بناء وعي مجتمعي جديد، يحمل في طياته ومضمونة أهمية استعادة الذات المستلبة، وتفعيلها في إطار الإنتاج الجمعي، وتعزيز الثقة بين الذات والمجتمع، لتحقيق المزيد من التكامل والنجاح.