مظاهرُ الوصاية السعودية على اليمن
الهدهد / مقالات
محمد أمين الحميري
من المظاهرِ المقزّزة للوصاية السعوديّة على اليمن، أن الكثيرَ من الناس خلال الفترات الماضية كانوا قد وصلوا إلى قناعةٍ، وهي أن كُـلَّ شخصٍ تعلَّم في أرض الحرمين فهو عالِمٌ متمكّن وفقيه حاذق وما يراه في بعضِ المسائل هو عينُ الصواب، ولو كان في واقع الأمر يخبط خبطَ عشواء ولا رشدَ عنده ولا حكمة، وهذه النظرةُ المجتمعيةُ هي؛ بسَببِ حالة النفوذ السعوديّ القوي الذي كان من خلال الأدوات والوسائل المؤثرة بما فيها الورقةُ الدينية، ومن ناحية أُخرى مكانة الحرمين الشريفين في النفوس ووعي الناس السطحي في عدم التفريق بين قدسية هذه الأماكن وبين النظام الحاكم العميل والفاسد وسياسته في تصدير الوعي المزيف الذي يصبُّ في خدمة توجّـهه العبثي والتخريبي في المنطقة، مرّت الأيّامُ وها هي الأحداثُ تضعنا أمام الحقيقة وأن العالِمَ الحقيقيَّ هو من عرف اللهَ حقَّ المعرفة وآثرَ الحياةَ الآخرة على الدنيا بقول الحق ومناصرة أهله وتحمّله للمسؤولية المناطة به على أكمل وجه، وسواء درّس في القصيم أَو زبيد، كان زيدياً أَو شافعياً، أو في الشرق أَو في الغرب، المعيار في المواقف، ما هي؟!.
وإسهاماً في المعالجة لمختلف مظاهر الوصاية على بلادنا، يجدر الإشارةُ إلى نقطتين:
النقطة الأولى: فكما كان التحكّمُ السعوديّ في قرارنا السياسي كان التحكّمُ على الصعيد الثقافي والفكري، حتى وصلت الوصايةُ السعوديّةُ إلى كُـلِّ مسجد ومدرسة ودور قرآن وَ… إلخ، والتعامل مع الهيمنة السعوديّة بدرجة أَسَاس هي على النحو الذي يسلُكُه اليومَ جيشُنا ولجانُنُا في كسر عنجهية النظام السعوديّ عسكريًّا، ونتائج هذا الخيار ستكون عظيمةً على كُـلِّ الأصعدة بما فيها الجانب التعليمي والثقافي في بلادنا، وسينعكسُ على واقع كُـلّ أبناء الشعب، وسواءٌ أكان تحقيق السلام بالفعل العسكريّ أَو التسوية السياسية العادلة، والمطلوب أن تكونَ في اعتبار القيادة حالَ دخلنا في مرحلة الاستقرار، كيفيةُ التخلّص من الوصاية السعوديّة على مناهجنا ومساجدِنا من خلال التصحيح والارتقاء التدريجي بحكمةٍ ووعيٍّ، وإلى جانب هذا إيجاد المعالجات المادية لتسيير عمل المساجد ومراكز التحفيظ بعيداً عن تدخلات الخارج شيئاً فشيئاً، فكثيرٌ من القائمين عليها عند الحديث معهم ومصارحتهم يشكون من هذا الأمر، وبإيجاز التركة ثقيلة “وحتى تتحدّث من رأسك اعمل بفأسك” كما في المثلِ الصيني، وهكذا الأنظمةُ الشريفةُ الحريصة على نهضة شعوبها تبذل قصارى جهدِها في الوصول إلى الاكتفاء الذاتي وتولي اهتمامها الكبير في الجانب التعليمي والثقافي، وثقتنا أن القادمَ سيشهدُ تحولاتٍ في هذا السياق، فسياسةُ الممول قد أفسدت في واقع الكثير ممن ينقصهم غياب الرؤية الواعية والمشاريع الواضحة، وكم استُدرج من أناس بحسن نية وعن جهل وبعلمٍ للأسف؟!.
النقطة الثانية: بما أن هناك دوراً يقعُ على عاتق الدولة، فالدور الموازي يقعُ على عاتق المعنيين بتثقيفِ المجتمع وتوعيته من خلال المسجد والدور الشرعية ومدارس التحفيظ وغيرها، أيًّا كان انتماؤها السياسي والفكري، نحنُ اليومَ على متن سفينة واحدة، واليد الواحدة لا تصفق، هناك أخطاءٌ في واقعنا جميعاً وإن اختلفت في حجمها ونسبة تأثيرها السلبي من جماعة إلى جماعة، فالمطلوبُ هو أن يكونَ هناك انفتاحٌ على القيادة الحالية للبلد، وقراءة في مشروعها، وإلى أين تتجه الأمورُ، فطبيعة العمل المجتمعي ستختلفُ من مرحلة الوصاية الخارجية إلى مرحلة الاستقلالية، وأيُّ نجاح لن يتحقّقَ والعملُ التوعوي في وادٍ وتوجّـهُ القيادة في وادٍ آخرَ، لا بُدَّ أن تكون المدخلات التعليمية والدعوية سليمةً لتصبَّ مخرجاته في خدمة التوجّـه العام للبلد، وأقصد بالتعليم والدعوة هنا ذات الصلة بالتعليم في المساجد والمراكز الشرعية ومدارس التحفيظ ومنبر المسجد أَيْـضاً، فمسارُ الإصلاح والارتقاء في التعليم الحكومي له مسارٌ تصحيحيٌّ آخرُ، كما إن هذا العملَ لا يتصادمُ مع تنوعنا الثقافي وخصوصيات كُـلّ توجّـه، وإنما يهدفُ لتقييمه والارتقاء به ليكونَ تنوُّعاً مفيداً وتنوعاً يقومُ على أَسَاس الأهداف المشتركة التي تحقّق الصالحَ العام.
هذا الذي ينبغي في هذا الجانب، ومما سيجعلُ من هذه الجهود مثمرة والنتائج المتحقّقة كبيرة هو أن التوجّـهَ العام للقيادة اليوم يؤسس لهذه الصحوة ويتطلّع لحراك على هذا النحو، فعمليةُ الإصلاح من رأس الهرم آتية، وهذه نعمةٌ كبيرةٌ وما على الناس سوى تعزيزها بما يلزم.
الكلامُ يطولُ والحليمُ تكفيه الإشارةُ.
تكفي اللبيبَ إشارةٌ مرموزةٌ.. وسواه يُدعى بالنداء العالي.