المشاريع الأمريكية في المنطقة ومأزق حلفائها
الهدهد / مقالات
أنس القاضي
طرح «زبيغينو بريجنسكي» مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق «جيمي كارتر» وأحد اذكى منظري الإمبريالية الأمريكية المعاصرين نظرية “قوس التوتر”، التي تتضافر مع مشروع امبريالي صهيوني آخر وهو “الشرق الاوسط الكبير”، أخذت تأويلات كثيرة كان آخرها مقولة “الشرق الاوسط الكبير الجديد” التي تبنتها ادارة بوش الابن في اواسط العقد الأول من القرن الحالي.
مع مجيء “الربيع العربي” بداية بالانتفاضة التونسية وبعدها المصرية، توجهت طلقة جديدة إلى هذا المشروع، وما تزال الإمبريالية الأمريكية تحاول حرف هذه الثورات وتوجيهها بخدمة ذات مشروعها، إلا أن الانتصارات الاخيرة لمحور المقاومة وهزيمة داعش، سددت ضربةً قويةً جديدة لمشروع الشرق الاوسط الجديد ونظرية قوس التوتر الاستعماريتين.
مأزق القوى المؤمركة
تعيش اليوم القوى المؤمركة في المنطقة مأزقاً بعد فشل تحقيق المشاريع العدوانية الإستراتيجية وإن كانت عملية تنفيذها الفاشلة قد سببت ابلغ الضرر في الدول والمجتمعات المُستهدفة، وقد كانت “إمارة داعش الإرهابية آخر وأقوى الأدوات والأساليب المُستخدمة لإنقاذ الاستراتيجيات العدوانية الإمبريالية الصهيونية، فيما مثل القضاء على “داعش” في العراق وفتح معبر البوكمال السوري الذي يربط براً ما بين طهران وبيروت ودمشق نصراً استراتيجياً لمحور المقاومة.
في الوضع الراهن انتقلت الامبريالية الأمريكية ومعها الكيان الصهيوني إلى تنفيذ مؤامراتها العدوانية -التي تعد امتداداً لاستراتيجياتها المذكورة سابقا- بالاستعانة بالقوى المحلية العميلة، فيما الهدف الرئيسي هوَ ضرب القوى الوطنية الثورية التي تعاظمت قوةً وحضوراً شعبياً وسياسياً من بعد هزيمة “داعش”، وهي الحشد الشعبي في العراق وحكومة «عادل عبدالمهدي» وكذلك حزب الله في لبنان والتشكيلة السياسية الحكومية والنيابية التي لحزب الله وحلفائه ثقل كبير فيها، وقوى المقاومة في اليمن وفي مقدمتهم أنصار الله ومازالت الحرب العدوانية على اليمن مستمرة منذ أربع سنوات يتخللها محاولات استهداف للجبهة الداخلية كانت أخطرها “فتنة ديسمبر” 2017م.
الهدف قوى المقاومة وسلاحها
المؤامرات الحالية الذي يجري تنفيذها – باستغلال الفساد والأوضاع الاقتصادية المتدهورة- هي نوع من “الثورات الملونة” التي جرى تنفيذها من قبل في دول الاتحاد السوفييتي السابق بعد تفككه، وفيما تتجه مطالبات المواطنين إلى اصلاح الاوضاع المعيشية ومحاربة الفساد وتوفير فرص عمل وإسقاط الانظمة السياسية الطائفية “دستور بريمر” في العراق، ودستور “اتفاقية الطائف” في لبنان، كقضايا ملحة ملموسة، يجري حرف الجماهير عن هذه المطالبات العادلة وتحويل العداء والسخط نحو محور المقاومة، وفي مقدمتها الجمهورية الاسلامية الايرانية.
رغم ان الدوافع الاجتماعية للاحتجاج والتي تحرك البسطاء عفوياً هي قضايا الخبز والفساد، إلا انه في هذه الاحتجاجات والتظاهرات برزت شِعارات ومارست ليس لها علاقة بهذه القضايا الداخلية، منها على سبيل المثال مهاجمة القنصلية الإيرانية في العراق في الذكرى السنوية لدخول الثورة الايرانية إلى مقر السفارة الأمريكية في طهران، ومنها رفع شعارات “إيران برع برع” وتأجيج حمى القومية العربية في مواجهة القومية الفارسية، وهتافات مؤيدة للسعودية وغيرها، وفي لبنان تهدف المؤامرة إلى ضرب التشكيلة السياسية الراهنة التي لقوى المقاومة وحلفائها حضوراً فيها، وجاءت نتيجة تضاعف حضور قوى المقاومة وهزيمة داعش. حظرت في هذه الثورات الملونة هتافات وشعارات تجمع حزب الله مع بقية القوى السياسية الفاسدة “كلن يعني كلن” والقصد منها استهداف حزب المقاومة في لبنان، وتمتد المؤامرات إلى المطالبة بنزع سلاح حزب الله المقاوم واعتباره معيقاً لأداء الحكومة، فعلى سبيل المثال جماهير حزب “القوّات” الذي سارع إلى الاستقالة من الحكومة والنزول إلى الشوارع شاركت بالهتاف على طريقتها (الصهيونية) مستهدفةً سلاح حزب الله، الذي وصفته بـ”الإرهابي”، أي استخدمت الوصف الصهيوني.
اليد الأمريكية غير خفية
الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل تديران وتستغلان الاحتجاجات في لبنان والعراق للمجيء بحكومتين مواليتين لهما. وبينما قدم سعد الحريري استقالة حكومته، في 29 أكتوبر الماضي، تتمسك بقية مكونات الطبقة الحاكمة بمواقعها، في ظل وعود من الرئيس ميشال عون، ببناء دولة مدنية، وإصلاح الاقتصاد ومحاربة الفساد عبر تحقيقات “لن تستثني أحدا من المسؤولين “، فقوى الاستخبارات بعد فشل الاستراتيجيات السابقة، ترى تحقيق مصالحها في ايجاد الحروب الاهلية وتنمية الأنشطة الإرهابية والصراعات الإقليمية.
التصريحات الأمريكية وتصريحات السفارات ظهرت في هذه الاحتجاجات فاعلة مؤثرة، حيث تدعي الولايات المتحدة الأمريكية عبر ذلك، بأنها تقف إلى جانب هذه المجتمعات والشعوب، نصرة للديمقراطية!.
فيما كانت الجمهورية الاسلامية أذكى، فقامت باستدراج القوى العميلة إلى معركتها، ولم تترك لها الفرصة للبدء بالضربة الأولى، وكانت الخطوة الايرانية هي رفع سعر المشتقات النفطية على بعض الشرائح الاجتماعية، وتقديم هذا الدعم للطبقات الأشد فقراً في كشوفات الرعاية الاجتماعية وهو الأمر الذي جرى في غضون ثلاثة أيام حيث انتقلت مبالغ الدعم المرفوعة عن النفط إلى حسابات الرعاية الاجتماعية وحين خرجت المظاهرات التي كان يجري التحضير لها في طهران وعدد من المحافظات الايرانية استطاعت الأجهزة الأمنية الايرانية ان تفكك الشبكات المنظمة لهذه الاحتجاجات وتضبط العناصر الاستخباراتية المعادية، فيما كان قمع مثل هذه الاحتجاجات عادلاً لخروجها ضد اصلاحات اقتصادية عادلة، فلم تشارك فيها الطبقات الاجتماعية المسحوقة المستفيدة من هذه الاصلاحات بل اقتصرت على التوجهات اللبرالية والقوميين والطبقات الوسطى ذات الميولات الغربية في نمط التفكير والحياة.
جوهر نظرية قوس التوتر
يتمثل جوهر نظرية قوس التوتر بتفتيت البلدان القائمة بين باكستان وأفغانستان شمالا إلى باب المندب جنوبا إلى مضيق جبل طارق شمالا وهي بلدان متعددة القوميات متعددة الأديان والطوائف، وغنية بالثروات الباطنية، ومن اجل خيراتها وضعت النظرية الاستعمارية في تفجير الحروب في هذه البلدان وإعادة بنائها من جديد كبلدان اُحادية القوميات وأحادية الاديان وأحادية الطوائف.
جاء مشروع (الشرق الأوسط الجديد) ليشكل المرحلة الثانية في الإستراتيجية الأمريكية (قوس التوتر). ولذلك عملت الإمبريالية الأمريكية على، العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 1982م وكذلك ضربة “قانا” الأولى واتفاقات “أوسلو” الذي تمخض عنها قيام كيان منقوص للفلسطينيين.
تلقى مشروع “الشرق الأوسط الجديد” ضربات متلاحقة إثر انسحاب إسرائيل من قطاع غزة ومن الجنوب اللبناني واشتعال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وجاءت أحداث 11سبتمبر /2001م لتدشن المرحلة الثالثة من مشروع الشرق الأوسط الجديد، فاحتلت أفغانستان ثم تبعتها باحتلال العراق وبالوقت نفسه دفعت القوى الانفصالية في السودان.
كما تم تشكيل ما يسمى “تحالف دول الاعتدال العربي” الذي شكل أصلا للتصدي “لطموحات إيران الإقليمية واعتبارها الخطر الأول الذي يهدد الأمن العربي” بدلا من إسرائيل.
ودفعت أمريكا إسرائيل لشن حرب تموز 2006م ضد حزب الله وحرب 2008 /2009م ضد حركة حماس في قطاع غزة لكن إسرائيل فشلت فشلا مريعا في هاتين الحربين. وبناء على مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي يتعرض لضربات قوية من محور المقاومة، أشعلت أمريكا عن طريق نظام صالح حرب 94م على الجنوب اليمني، وست حروب ضد انصار الله، من اجل اثارة العصبيات المذهبية والمناطقية والشطرية، وجاء مشروع الستة الأقاليم غير المتوافق عليه في مؤتمر الحوار الوطني اليمني، متناسباً مع هذا المشروع الاستعماري في تمزيق المنطقة.