عن سورةِ التوبة
الهدهد / مقالات
يحيى المحطوري
المتأمِّلُ لسورة التوبة يجدُ التصنيفاتِ المختلفةَ للناس، ويرى بروزَ نماذجَ سيئةٍ حتى تحت قيادة النبي صلى اللهُ عليه وعلى آله.. ويعرفُ الدوافعَ الحقيقيةَ للمواقف، ويجدُ التفسيرَ المنطقيَّ لِكُلِّ محاولات التبرير واختلاق الأعذار.. وقلبِ المفاهيم..
التوبةُ لم تبقِ شيئاً يتعلّقُ بالمنافقين إلّا وضّحته..
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا..
وتجلّت في التوبة التوجيهاتُ القويةُ والقاسية المؤكِّـدة على عدالة القضية وصحة الموقف..
أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أول مَرَّةٍ، أَتَخْشَوْنَهُمْ، فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ..
والتوبيخُ على عدمِ الالتزامِ والتثاقُلِ وعدم الجدية في التحَرّك والتحذير من خطورة الاستبدال..
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إلى الأرض، أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ، فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ..
إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا، وَاللَّهُ عَلَى كُـلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ..
وتحدثت عن أصحاب المصالح المستعجلة.. وسببِ قعودهم وتراجُعِهم وتنصلهم عن المسؤولية.. ثم يفضحُ مبرّراتهم وكذبهم وأيْمانهم الفاجرة..
لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ..
وَلَكِنْ بَعُــدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ..
وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ..
أمَّا المتنطِّطون.. وأصحابُ المواقف اللحظية فإهمالُهم السابقُ من أسباب قعودِهم..
وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ..
وهؤلاء لا يضيفون إلى الواقعِ الميداني إلا الإرباك والفشل.. وعلينا أن لا نطمع أَو نؤمل فيهم.. وَأن لا نكون سمّاعين لهم..
لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ..
وكشفت أَيْـضاً نوايا من يغالطون عمداً.. ويقلبون الأمور..
لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ..
وبعد ابتغاء الفتنة.. يكون منطقُهم ادّعاءَ الحرص على الهروب من الفتنة.. وبدون حياء أَو خجل.. وعاقبتُهم الخُسرانُ المبين.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي، أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا، وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ..
ومن مواصفاتهم..
وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ..
ويدّعون كذباً الانتماءَ لكم.. وهم حريصون على الهروب؛ حفاظاً على حياتهم..
وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ..
لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَو مَغَارَاتٍ أَو مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ..
ويصل أذاهم إلى القيادة أيضاً..
وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ…
فقط لكي لا يعترفوا بأخطائهم.. ويبحثون عمن يحملونه وزرها.. حتى لو كان الرسولُ المصطفى صلواتُ الله عليه وآله..
يستهزؤون.. ويخوضون ويلعبون.. ويسخرون.. ويتحاذقون ويتذاكون.. وهم مكشوفون ومفضوحون ولا يمكن أن يخدعوا أحداً..
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ..
ومنطقُهم أمامَ كُـلّ التوجيهات: ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ..
وهناك مَن يستبشرون بالقرآن ونزوله..
وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا..؟؟
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ..
والبعضُ لا يزيدُه القرآنُ إلا رِجساً وكفراً.. لما هم عليه من النفاق وخُبث القلوب وسوئها..
وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ..