صلوات في مقام الشهادة
ابراهيم محمد الهمداني
ولو لم تكن في كفه غير روحه
لجاد بها.. فليتق الله سائله
الشهيد إنسان بلغ أعلى مراتب الجود والعطاء، حين جاد بروحه، نصرة لله وللمستضعفين، وهو يؤدي واجبه الإنساني، الذي أوجبه على أنفسهم، والتزم به طواعية، غير منتظر من أحد جزاء ولا شكورا.
الشهيد … ذلك الفيض الغامر بالإنسانية، والنهر المتدفق بالبطولات، والغيث المنهمر بالتضحية، والسماء التي تعطي بلا منٍّ، وتجود بلا حساب.
الشهيد… هو فلسفة العطاء، وثقافة التضحية، وأيقونة الثبات، ورمز الوفاء، وعنوان الكرامة، فيه تجسدت أرقى القيم والمبادئ الإنسانية، وعليه ارتسمت أبهى صور الشجاعة والفداء، ومنه تستلهم الأجيال أعظم معاني الصمود والبذل والسخاء، وبه تُرجمتْ الأقوال إلى أفعال، وأليه تنتمي مصاديق الخلود والبقاء.
حين نتحدث عن الشهيد… فنحن نحاول بفهمنا المحدود، وتصوراتنا القاصرة، وحواسنا المخاتلة، وتعبيراتنا الموهمة، وألفاظنا الميتة، ولغاتنا المفلسة، مقاربة معارج الكمال، وتوصيف مدارج الجلال، وتحجيم فضاءات الجمال، وأنَّى لحرف بائس، وخيال محدود، وعقل عاجز عن إدراك ذاته، بلوغ منتهى تجليات الصدق، المتجسد في “رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه” ، وإدراك مدارات الاصطفاء الرباني، واكتمالات العطاء الإلهي، المتحقق في عظيم الثواب، بحياة لا يحدها أمد، وجزيل الجزاء برزق دائم، وعطاء مستمر لا يبلغه عدد، وجليل الفضل المتواتر بالسعادة والاطمئنان والبشارات المتصلة، والنعم الجزيلة، التي ليس إلَّا كرم الله وجوده لها مدد.
الشهيد… كان – كغيره من أبناء المجتمع – شاهدا رائيا على قبح الزمان، وتوحش الإنسان، وتحالف كل طواغيت الكفر وأئمة الضلال، ضد شعب لم يكن ذنبه ألَّا أن قال ربي الله، فكان ذلك دافعا للشهيد السعيد، ليكون شهيداً لله بالحق، رافضا كل مشاريع وأشكال العبودية للطواغيت والمجرمين، وقد بذل ما في وسعه، وبلَّغ جهده، وحين صدق ما عاهد الله عليه، قدَّم روحه دليلا دامغاً، وشاهداً صادقاً، وشهادة حق لا شك فيها، واستشهد بروحه على صدق موقفه، وحقيقة مبدأه، فكانت تضحيته إدانةً لتحالف الإجرام العالمي، وحجة بالغة على من تقاعس وتخاذل وثبَّط، في مواجهة أعداء الله ورسوله ودينه، وتكاسل عن نصرة دينه والاستجابة لأمره، “إذا دعاكم لما يحييكم”.
مهما تحدثنا عن الشهيد، فلن نبلغ ذرة تراب علقت بحذائه، ولن نفي قطرة دم أُريقت منه، ولذلك هو حاضر بيننا بروحه وأفعاله وتضحياته، هو ورفاقه الشهداء الأبرار، ” أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم، ألَّا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، يستبشرون بنعمة من الله وفضل، وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين”
صدق الله العلي العظيم.