المُجتَمِعون في برلين هُم الذين دمّروا ليبيا وحوّلوها لدولةٍ فاشلةٍ
لنَكُن صريحيين، ونبتعِد عن المُناورات وسياسات اللّف والدّوران، ونقولها بالفَم الملآن، إنّ هذه الدّول الـ 12 التي اجتمعت في برلين اليوم الأحد، هي التي دمّرت ليبيا قبل عشر سنوات، مع استثناء دولة واحدة فقط وهي الجزائر، سواءً بالمُشاركة الفِعليّة في عمليّة التّدمير، أو الصٍمت الذي كان أحد أبرز علامات الرّضا، أو التّواطؤ، اعتِمادًا على مُقاولين محلّيين وإقليميين، وأنّ الشّعب الليبي كان وما زال هو آخِر اهتِماماتهم، وأبرز ضحاياهم.
يجتمعون في برلين من أجل اقتِسام الكعكة الليبيّة، نفط وغاز، ومشاريع بُنى تحتيّة، مع تفرّعاتٍ أُخرى أقل أهميّةً، وهي الخوف من تحوّل ليبيا إلى دولةٍ فاشلةٍ، ونُقطة انطِلاق لمِئات الآلاف من المُهاجرين نحو السّواحل الأوروبيّة للبحر المتوسّط.
الرئيس رجب طيّب أردوغان حذّر من أنّ انهيار حُكومة فايز السراج التي تُسيطِر على أقل من 20 بالمئة من الأراضي الليبيّة، والمُعترف بها أُمَميًّا، سيُؤدِّي إلى انتشار الإرهاب، وينسى الرئيس أردوغان أنّ تحذيراته جاءت مُتأخِّرةً عشر سنوات، فليبيا ما زالت وستَظل دولةً فاشلةً إلى حين، مثلما هو الحال عليه طِوال السّنوات الماضية، والفضل في ذلك يعود إليه وإلى دول عديدة تشترك معه، أو تُنافِسه في مشروع الهيمنة واقتِسام المصالح والثِّمار المُرَّة، وتُرسِل مجموعات من المُرتزقة للقِتال على الأرض الليبيّة، وعلى رأسِها الإمارات وروسيا وقطر وتركيا وفرنسا ومِصر والسودان وتشاد كُلّكم مُتورِّطون وشُرَكاء في الخراب.
البيان الخِتامي يتحدّث عن احترام حظر إرسال السّلاح والمُرتزقة إلى ليبيا، وتشكيل قوّةٍ لمُراقبة وقف إطلاق النّار، ولكن من يملك القوّة على الأرض هو الذي سيَفرِض شُروطه ووقف إطلاق النّار، ونقولها بالفَم المليان بأنّ الجِنرال خليفة حفتر الذي تدرّب وتَسمّن في مُعسكرات وكالة المُخابرات الأمريكيّة في فيلادلفيا، ويحظى بدعم أمريكا وروسيا وفرنسا والإمارات ومِصر، وهو الأوفر حَظًّا حتّى الآن إلا إذا جرى ردعه ولا توجد مُؤشِّرات قويّة في هذا الميدان.
حفتر رفض أن يُوقِّع اتِّفاقًا بوقف إطلاق النّار جرى التوصّل إليه بوِساطة الرئيس بوتين في موسكو قبل بضعة أيّام، وسيرفُض توقيع أيّ اتّفاقات مُماثلة في برلين، وإذا وقّعها لن يلتزم بها، ولهذا سيكون بيان مُؤتمر برلين الخِتامي حِبْرًا على ورق، والمُوَقِّعون عليه يُدرِكون ذلك، وكُفّوا عن خِداعنا وخِداع أنفسكم والشّعب اللّيبي أيضًا.
الجِنرال حفتر عندما أغلق موانئ النّفط الليبيّة في الهلال النفطيّ شرق البِلاد ووسطها، الواقع تحت سيطرة قوّاته بالكامل أمس أراد أن يُوجِّه رسالةً للحاضِرين في برلين: أصدروا ما شئتم من قرارات، فأنا صاحِب الكلمة الأُولى والأخيرة، وأملك وسائل القوّة لفرضها، وحَظِي بدعم مُعظَمكم، واستمرُوا في مسرحيّتكم.
في الوقت الذي كانوا يرقصون طَرَبًا لاندلاع “الثورة الليبيّة” قبل عشر سنوات، ويُصدِرون الفتاوى للجِهاد في ليبيا، ويستقبلون قصف طائرات الناتو لأهلنا في ليبيا بالورود، ويقتلون عشرات الآلاف من الشّهداء، وقفنا في الخندق المُضاد لهذه المُؤامرة، ونالنا الكثير من “ثوار الناتو” وداعميهم، وها هي الوقائع تُثبِت صحّة ما قُلنا ونقول.
السّيناريو السّوري يتكرّر في ليبيا، وعبر وكلاء الإرهاب أنفسهم، ودون أيّ تغيير في الوجوه أو الأساليب، وإرسال المُرتزقة، ولكن في اتّجاهٍ مُعاكسٍ، ومن جهاتٍ عديدةٍ هو دَليلُنا الأبرز.
لم نخلق هذه الأزمة حتى تُطالبونا بتقديم الحُلول والمخارج، نحن شَخّصنا المرض وأعراضه الجانبيّة قبل عشر سنوات، ومن انخرطوا في المُؤامرة الدمويّة عليهم أن يعترفوا بخطيئتهم أوّلًا، ويعتذرون للشّعب الليبي، وأن يُواجِهوا المُحاسبة، بعد ذلك لكُلِّ حادثٍ حديث.
“رأي اليوم”