إفشالُ صفقة ترامب.. بين الإمكانية والضرورة
الهدهد / مقالات
د. أحمد الصعدي
لا يختلفُ الرئيسُ الأمريكي الحالي ترامب في موقفه من الكيان الصهيوني وأطماعه، ومن الشعبِ الفلسطيني وحقوقه عن الإدارات الأمريكية السابقة إلا بكونه يعلنُ انحيازَه المتعصِّبَ للكيان الصهيوني بمنتهى الصراحة والوقاحة، غيرَ عابئٍ لا بالتاريخ ولا بالوقائع المعاصِرة، ولا بالنتائج المتوقَّعة القريبة والبعيدة، متجاهلاً الدبلوماسيةَ ومقتضياتِ العلاقات الدولية والقانون الدولي، وبكلمة يتصرف وكأنَّ العالَــمَ غابةٌ.
كانت الإداراتُ الأمريكية السابقة تضمِرُ ما يعلنُه ترامب، وتسيرُ نحو الغاية ذاتِها التي يريدُ ترامب للكيان الصهيوني بلوغَها، إلا أنها كانت تفضِّلُ السيرَ البطيءَ والتدرُّجَ الذي لا يستفز الفلسطينيين والعالم العربي، وكانت تعتمدُ على دبلوماسيين مخضرمين وخبراءَ في شؤون المنطقة وعلى أصدقائها من العرب، وكانت تنجحُ في خداع الأطراف العربية عندما ترتدي قناعَ الحياد وتتقمَّصُ دورَ الوسيط النزيه. وبهذه الطرُقِ والأساليب كانت تُبرِمُ اتّفاقياتٍ بين الكيان الصهيوني وأطرافٍ عربية يقدم فيها العربُ تنازلاتٍ ويدّعون في الوقت نفسه أنهم يكسبون وينتصرون، بينما كان الكيانُ الصهيوني يكسَبُ دائماً ويدّعي أنه يقدم تنازلات مؤلمة.
هكذا كان الأمر في اتّفاقية كامب ديفيد بين نظام السادات والكيان الصهيوني، وهكذا كانت اتّفاقيات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني، وغير ذلك من الاتّفاقيات والتفاهمات مع هذا الكيان الغاصب.
اليومَ جاء ترامب الذي لا يرى في الوجود إلا الكيانَ الصهيوني وحقوقَه المطلقة في البقاء والتوسُّع والتفوق على العرب والمسلمين، فأعلن خُطَّتَه التي تتضمَّنُ صراحةً إلغاءَ فلسطين من التاريخ والحاضر والمستقبل وبعثرة الشعب الفلسطيني في أرجاء العالم، وحصر من يتبقّى منه في تجمعات سكانية مغلقة، وتحويل الدول العربية إلى كياناتٍ خاضعةٍ للهيمنة الاقتصادية والسياسية والثقافية الصهيونية والإمبريالية الأمريكية.
إن خطورةَ صفقة ترامب حقيقية، ومهما بدت أهدافُها غيرَ واقعية لا يجوزُ بأي حال التقليلُ من شأنها.
يراهن ترامب في تحقيق صفقته على قوة أمريكا وعلى مال وتخاذل بعض العرب وتعاون البعض الآخر. أما الفلسطينيون والشعوب العربية والإسلامية فليس أمامهم إلا تحويل إمْكَانية إفشال هذه الصفقة إلى ضرورة. فلأول مرة يجد الفلسطينيون أنفسهم في مواجهة تَحَدٍّ مباشرٍ وجدي يضعُهم أمامَ السؤال المصيري: نكونُ أَو لا نكون.
إنَّ تحويلَ إمْكَانيةِ إفشال صفقة ترامب إلى ضرورةٍ يتطلَّبُ وحدةَ الفلسطينيين أمام الخطر الوجودي، ويقظة الشعوب العربية والإسلامية، فبالنسبةِ للعربِ ستفقدُ العروبة معناها لو ضاعت فلسطين، وبالنسبة للمسلمين سيعني التفريطَ بالقُدسِ التفريطَ بمكةَ المكرمة. وليس في هذا الكلام أيُّ شيءٍ من الخيال أَو المبالغة، بل هي الوقائع الناطقة والأخطار الماثلة.