صَفقةُ القَرن والقضَاء علَى الحُقوقِ الفلسْطينيَّة ..
الهدهد / مقالات
مطهر يحيى شرف الدين
تبخرت من أذهان دول الغرب فكرة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة والقرار منذ توقيع اتفاقية أوسلو وإعلان خطة السلام الأمريكية “صفقة القرن”
فلا قضية المستوطنات الإسرائيلية تم الالتزام بحلها ولا قضية اللاجئين وحقهم في العودة ولا قضية الحدود ولا قضية حل الدولتين ولا طبيعة العلاقات والتعاون مع الدول الأخرى تم التفاوض بشأنها أو العمل على حلها أو حتى الوقوف أمامها وبما يشير إلى ذرةٍ من حسن نية الإدارة الأمريكية نحو القضية الفلسطينية
عناوين القضايا تلك هي ما خرجت بها اتفاقية أوسلو ليتم التفاوض بشأنها وحلحلتها والخروج برؤية شبه إيجابية في محاولة لتمكين الفلسطينيين من إثبات وجودهم وكيانهم وهويتهم على الأرض الفلسطينية
ومنذ أن تم التوقيع عليها في العام 1993م يخرج اليوم الرئيس الأمريكي ترامب بخطة السلام الأمريكية التي تترجم عملياً مرحلة من مراحل صفقة القرن التي وجدناها خطوات تتم على الواقع وهي صورة أخرى لترسيخ وتجذير وعد بلفور في الجسد العربي وبالتالي استمرار حرمان الفلسطينيين من هويتهم وحقوقهم المشروعة والقضاء عليها ،
الخطة الأمريكية تسعى لضم المستوطنات غير الشرعية والمستعمرات المستحدثة وكذلك ضم أغوار الأردن رسمياً لاسرائيل ومن ثم الضغط على السلطة الفلسطينية والأنظمة العربية المتخاذلة والرخوة للاعتراف بإسرائيل كدولة شرعية ،
الخطة بهذا الشكل المرسوم ترمي إلى إلزام السلطة الفلسطينية بتطبيق أمر واقع لا مفر منه بضرورة تعديل مواقفها وفق المتغيرات السياسية الدولية التي تخدم إسرائيل وبالذات اليمين الاسرائيلي المتطرف الذي لا يقبل بمفاوضات ولا تنازلات ولا تسويات ، ولا حتى الاعتراف بأحقية الفلسطينيين بالعيش على أرضهم أو الاعتراف بحقوقهم السياسية والمدنية ،
و ما تريده الصفقة أو ما يسمى بالخطة هو أن تصبح القدس مدينة موحدة غير مجزئة تحت السيادة الإسرائيلية وإشراك اليهود الصهاينة في إدارة المسجد الأقصى وباقي المدن المقدسة ،
خطة السلام الأمريكية لا تكشفت عن نوايا ترامب حقيقةً بل تعكس السياسة الأمريكية الصهيونية التي تهدف إلى اقتطاع مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية لصالح المستوطنات والمستعمرات الاسرائيلية ومصادرة الهوية الفلسطينية وحقوهم المشروعة ،
ولذلك يعمل المطبِّعون مع الكيان الصهيوني وفي مقدمتهم أمراء النفط الخليجي على النيل من المقاومة الفلسطينية و نزع سلاح المقاومة لتصل بذلك فلسطين إلى اللّادولة التي لا تملك حق الدفاع عن شعبها وأرضها و بذلك تفقد السيادة على أراضيها وقراراتها وستفقد أيضاً حق المهجَّرين في العودة لوطنهم ،
هذه المخططات والمؤامرات الصهيونية ومنها صفقة القرن أثبتت أن ترامب ممثل السياسة الأمريكية الصهيونية قد أسدى للفلسطينيين وللعرب والمسلمين معروفاً وقد قرَّب المسافات وكشف النقاب عن أهداف صفقته التي أسماها خطة السلام والتي تقضي تماماً على آمال وأحلام الشعب الفلسطيني ونظامه الذي ظل يعيش في وهمٍ دام عدة عقود كان يُأمل من خلالها ومعه العرب والمسلمون عبثاً أن يحصلوا على هُوية حقيقية وعلى حقٍ سياسي أو سيادي أو مدني ،
ولذلك لا نستطيع أن نفهم عن صفقة القرن إلا أنها تعني بشكلٍ واضح استيلاء بالقوة وتحكُّم وبسط ونفوذ وسيطرة ووصاية وقرار وهيمنة ،
ولا نستطيع أن نفهم عن خطة السلام الأمريكية إلا أنها تعني مخططات ومؤامرات ومكر وخداع وكذب وشراء لضمائر ونزعات وتوجهات الزعامات العربية المنبطحة التي نراها اليوم ملتزمة الصمت وغير آبهة لما يجري على الساحة العربية وغير مكترثة لما يدور وينفذ من فوق الطاولة جهاراً وعلانية ودون أدنى اعتبار لقدسية ومكانة الأرض المقدسة أو أي اعتبار لمصلحة وأحقية الطرف الفلسطيني الرسمي والشعبي المقاوم في تقرير مصيره
ولذلك ينبغي أن ندرك مدى التمازج العاطفي والانسجام التام بين السياستين الصهيونية والأمريكية من خلال ما يتحدث به ترامب عن اسرائيل واصفاً إياها بمنارة العالم وأنها كريمة جداً بموافقتها إعطاء فلسطين أراضٍ إلى حدّ القول بأن تطبيق الخطة واجب والتزام تجاه الإنسانية
هذه التصريحات الفجّة والمستفزّة جعلت الرئيس الفلسطيني محمود عباس يخرج أخيراً من دائرة الغفلة بردة فعلٍ قوية ولهجةٍ حادَّه لفتت انتباه الأنظمة العربية وشعوبها تجاه ممارسات الاحتلال الاسرائيلي الصهيوني الأمريكي رافضاً جملةً وتفصيلاً الخطة التي جاءت لتقضي على حلم الفلسطينيين في إقامة دولتهم واعطائهم حقوق المواطنة و حقوقهم السياسية التي سيفقدونها فعلاً إن تم تطبيق الخطة المشؤومة ،
ولكي لا يتم تمرير الصفقة يجب أن تتَّحد التوجهات الجادة في الوسط العربي والاسلامي شعبياً ورسمياً في مواجهة تطبيق الخطة وفي تعزيز محور المقاومة الفلسطينية والعربية وتوحيد الصف الاسلامي المناهض لدول الاستكبار العالمية الامبريالية الداعمة للكيان الصهيوني المحتل والغاصب.