حصار الدريهمي والنفاق الاممي
الهدهد / مقالات
عبدالفتاح علي البنوس
لم يكتف المرتزقة بالحصار المفروض على سكان مدينة الدريهمي والذي شارف على انقضاء عامه الثاني ، حيث عمدوا إلى شن اعتداءاتهم الإجرامية الوحشية الغادرة شبه اليومية والتي تتزامن مع حصار خانق يهدد حياة الأهالي داخل هذه المدينة المحاصرة ، الذين بلغت بهم الفاقة والضرر جراء الحصار إلى الحالة التي دفعت الكثير منهم إلى أكل أوراق ما تبقى من الشجر ، بعد أن كثف المرتزقة من قصفهم لمنازل ومزارع المواطنين في سياق حربهم الإجرامية التي تهدف إلى إحراق الأخضر واليابس .
معاناة سكان مدينة الدريهمي هي الأشد بشاعة والأبلغ ضررا والأكثر مأساوية ، ولا نبالغ إن قلنا بأنها جريمة حرب ضد الإنسانية بكل ما تحمله الكلمة من معان ، جريمة ترتكب في العلن مع سبق الإصرار والترصد ، على مرأى ومسمع الأمم المتحدة ، ومبعوثها إلى اليمن ، وبعثتها الخاصة بالإشراف على تنفيذ اتفاق ستوكهولم الخاص بالحديدة ، الاتفاق الذي تحاول الأمم المتحدة أن تقنع العالم بأنها وقفت عاجزة أمام ما يسمى بشرعية الفنادق ومرتزقتها لإقناعهم بتنفيذه ، في سياق سياستها المشبعة بالنفاق والتي تعمل على تكييف ما يحصل في اليمن على أنه نزاع وصراع يمني – يمني بين من تسميها بالحكومة الشرعية وأنصار الله الحوثيين ، دونما إشارة إلى العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي الصهيوني ، رغم أنها تدرك جيدا أن الولايات المتحدة الأمريكية هي من تقف خلف عرقلة تنفيذ اتفاق السويد ، وهي من تقف خلف قرار استمرار العدوان والحصار ، ورفض أي مبادرات من شأنها حلحلة الملف السياسي والاقتصادي اليمني ، وتعطي الأوامر لوكلائها في المنطقة ، السعودي والإماراتي للتصعيد في الحديدة وعدم تنفيذ اتفاق السويد ذي الصلة .
النفاق الأممي تجاه معاناة أبناء الدريهمي لم يعد بحاجة إلى شواهد وأدلة إثبات وتشكيل لجان محايدة ، فالاعتداءات اليومية موثقة ومشاهدها وشواهدها ماثلة للعيان ، ففي وقت سابق وخلال زيارة خاطفة لفريق تابع للصليب الأحمر عرضت الأمم المتحدة على أهالي الدريهمي النزوح من مدينتهم وهجر منازلهم والذهاب للإقامة هناك في الخوخة مع المرتزقة ، ورأت في ذلك الحل المناسب لمأساة الدريهمي ، وبالأمس القريب عادت الأمم المتحدة لتظهر نفاقها عندما تقمصت دور الوسيط ليس من أجل رفع الحصار عن الدريهمي وإدخال المساعدات وايقاف الاعتداءات اليومية على الأهالي المحاصرين ، وإنما من أجل السماح للصليب الأحمر بإخراج جثث المرتزقة من محيط المدينة والذين سقطوا خلال الزحف الكبير الذي قاموا به من ثلاثة مسارات بهدف اقتحام المدينة والسيطرة عليها والذي فشل في تحقيق أهدافه ، وتكبد المرتزقة خسائر كبيرة في صفوفهم وخسروا الكثير من العتاد العسكري الإماراتي الذي خصص لهذه الغزوة .
هل سبق وأن رأيتم وقاحة ونفاقا كهذا ؟! يلتزمون الصمت تجاه الزحف على مدينة محاصر سكانها ، تقصف بالمدفعية والصواريخ الموجهة بشكل يومي ، ويأتون فقط من أجل إخراج جثث قتلى المرتزقة ، وكأنهم وكلاء لهم ، ولا تعنيهم الأسر المحاصرة داخل المدينة منذ ما يقارب العامين ، يتشدقون باسم الإنسانية ، و لا صلة لهم بها مطلقا ، فإنسانيتهم هي مصالحهم ومكاسبهم التي يحصلون عليها ، الإنسانية عندهم مجرد شعارات جوفاء يضحكون ويغررون بها على البسطاء ، ويأتي بعد كل هذا من يتحدثون عن حيادية الأمم المتحدة ، وعن إنسانيتها المفرطة ، وجهودها الجبارة في تحقيق السلام ، رغم أنها في الحقيقة لا تقل قبحا واستغلالا عن المرتزقة المحليين والأجانب ، ولا تقل إجراما عن السعودي والإماراتي .
بالمختصر المفيد.. النفاق الأممي فضحته مأساة أهالي الدريهمي وتعاطيها السلبي المفرط مع الحصار المفروض عليها ، والاعتداءات التي تتعرض لها والتي لن يكون آخرها الزحف الكبير الذي قام به مرتزقة الإمارات مؤخرا ، فلا غريفيث عبر عن قلقه إزاء هذا التصعيد الخطير ، ولا ليز غراندي عبرت عن أسفها تجاهه ، ولا الفريق أبهيجيت غوها أدان ذلك ، وكأن الجميع ينتظرون إعلان نسف اتفاق السويد وتفجير الوضع في الحديدة ، ويرون في هذا التصعيد والخروقات اليومية مقبلات تمهد لمعركة الساحل المؤجلة ، وهو ما حذر منه عضو الفريق الوطني في لجنة التنسيق وإعادة الانتشار اللواء محمد القادري بقوله “نحذر دول العالم من التصعيد القادم في الساحل الغربي والبحر الأحمر” ، وعلى الأمم المتحدة وقوى العدوان ومرتزقتهم أن يأخذوا هذا التحذير بجدية ومسؤولية ، فمعركة الحديدة لن تكون نزهة ، وتداعياتها لن تقتصر على النطاق الجغرافي لمسرح عملياتها ، وعليهم أن يتحملوا تداعياتها وانعكاساتها .
هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله وسلم