انتحار غريفيث على مشارف مأرب
بقلم – طاهر علوان الزريقي
لم تعد الأمم المتحدة منظمة دولية فعالة ذات مرجعية وشرعية، فهي تخضع أكثر فأكثر لقبضة أمريكا ومشاريعها وشرعنتها هنا وهناك. أمريكا نفضت يدها من نظام العلاقات الدولية القائمة، نظام الأمم المتحدة، وقررت إقامة نظام يخدم مصالحها ومصالح شركاتها العملاقة، وفرضت على العالم نظاماً جديداً يختلف في أسسه ونواظمه ومبادئه اختلافاً جذرياً عن أسس ونواظم الأمم المتحدة، وبدأت تفرض نظاماً صارماً للتعامل مع قراراتها، نظاماً مالياً- عسكرياً للسيطرة السياسية.
نظام أمريكا الجديد يسعى إلى تفكيك عالمنا السياسي ويعيد تركيبه بالطريقة التي تعتقد أنها تضمن عدم التعرض لأية تحديات جدية من أي نوع كان لحقبة تاريخية طويلة جداً، وبذلك بدأ التراجع التدريجي والحثيث لنظام الأمم المتحدة ومؤسساتها الدولية. ويظهر ذلك جلياً من شريط العدوان على اليمن بصفة عامة، وفي الأحداث الأخيرة منذ تعيين المبعوث الخاص لأمين عام الأمم المتحدة مارتن غريفيتث بصفة خاصة، ومدى تبني والتزام وانحياز الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمبعوث الخاص لتحالف العدوان الكوني وللمشروع الأمريكي في المنطقة.
ولم يعد سراً أن المبعوث الأممي مارتن غريفيتث موظف يتعامل وفق الدور المرسوم له من قبل الإدارة الأمريكية، وينفذ خطط ورغبات تحالف العدوان الكوني (أدوات أمريكا في المنطقة)، ولم يكن مفاجئاً زيارته الأخيرة إلى مأرب وتنسيقه مع قيادة العدوان ومحاولاته في صنعاء إيقاف القرار الذي لا رجعة عنه، والذي اتخذ من قبل القوى الوطنية الشريفة ومشايخ وقبائل وأبناء محافظة مأرب لتحرير المحافظة من دنس وجرائم قوى العدوان الشنيعة للقيم الإنسانية من تعذيب وقطع الطرق ونهب الثروات التي تتجاوز أضعاف ممارسات الطغيان الأمريكي في العراق. مارتن غريفيتث لم يأت من خارج الاتجاه العام لسياسات هذه الإدارة الأمريكية الطاغية في علاقاتها مع الدول الممانعة والمقاومة للمشروع الأمريكي في المنطقة، والتي تمثل اليمن رأس الحربة فيها.
لقد ساهم الشكل المتنافر لخطاب المبعوث الخاص في إضافة عناصر جديدة لعدم الثقة، الذي تخلل مهامه، وهبطت مستويات الثقة إلى درجة باتت تطرح معها أسئلة تتعلق بدور الأمم المتحدة وبمشروع السلام نفسه، وباستحالة الوصول إلى اتفاق معين في شأن الوضع النهائي لإيقاف العدوان، وفك الحصار بعد أن انكشفت الأبعاد الكارثية لمهام المبعوث الأممي وقابليته العالية للتورط والتواطؤ مع العدو وفتح ثغرات جديدة للانحدار إلى النفق المظلم الذي يطبق على خناقه بسبب فشله المتتالي في إخضاع حكومة صنعاء لشروط الإدارة الأمريكية وتحالف العدوان الكوني بقيادة مملكة الشر السعودية. ومع كل تعيين مبعوث خاص يتم تفسير الاتفاقات حسب رغبات تحالف العدوان الأمريكي، ويتم التراجع خطوات إلى الخلف، ويقضم المبعوث الأممي المعين مزيداً من الحقوق وتكييف التفسيرات مع التصور الأمريكي الذي يهدف لتكريس الاحتلال واستمرار العدوان والحصار.
ما الذي يحتاجه المبعوث الأممي لكي يدرك ويستدرك أن النظام العالمي الجديد وكل المنظمات التابعة له من مرتزقة العدوان والتحالفات الكونية الفاشلة التي باتت تدور في متاهات دموية لا تعرف كيف تخرج منها، وكل أدوات العدوان الضاغطة من مبعوثين سابقين ولاحقين، لن تجعلنا نتراجع قيد أنملة عن الثوابت الوطنية والقومية؟!
لمتابعتنا على وسائل التواصل الاجتماعي |