كورونا اليمن
الهدهد / مقالات
حسن طالب ساتر
كمن يشاهد فيلماً أو مسلسلاً درامياً مثيراً، اعتمد كاتبه على الخيال البعيد والخدع البصرية الشبيهة بالمستحيل..
سيناريو هو الوحيد من نوعه على مدى مئات السنين، إذ لم يسبق لغيره أن جعل ( اللوكيشن) موقع تصوير المشهد يتسع ويتعدد حتى كاد يشمل كل مدينة على وجه الكرة الأرضية..
كثير هم الممثلون في هذه القصة، لكن الغريب في ذلك أنه لا وجود (للكمبرس)الممثل الإضافي بين أدوار هؤلاء الممثلين، فالبطل واحد والبقية يتنافسون ما بين الدور الأول والثاني.. ولحد الآن لم نجد أحداً من ضيوف الشرف يتقمص أي دور في هذه الحكاية المثيرة للغاية..
والأغرب من كل ذلك هو بطل هذه القصة والدور الذي بدا بارعاً في أداءه وكأنه خلق خصيصاً للعب هذا الدور المنوط به..
بطل لديه سلاح فعال وبندقية لا تنفد ذخيرتها كالمحاربون في أفلام الهوليود غير أن هذا المحارب يطلق رصاصاته المميتة بسرعة فائقة تمكنه من اجتياز دول بل قارات بأكملها وفي غضون دقائق معدودة..
ما يثير الدهشة هو أنه استطاع التغلب على خصومه ليصبحوا ما بين قتيل وجريح أو أسير معتقل …
وما أكثر من صاروا معتقلين لديه، إلا أنه لم يفرق بين رئيس ولا مرؤس فالوزير والمسؤل وصاحب المال والجاه صاروا في المعتقل سوياً مع المواطن البسيط والعامل الفقير…
يا إلهي لقد اعتُقِل الجميع وكأني أعيش حلماً وكابوساً مرعباً، فقد توقفت حركة السير في الشوارع وصارت المطارات مغلقة وبدت الساحات العامة والعواصم العالمية خالية من البشر…
مالذي حصل؟ لقد عطلت المساجد والكنائس.. واغلقت المدارس والمعاهد والجامعات.. لم يعد أحد يرتاد دور السينما ولا المحافل والمراقص.. عجيب هذا!!
لقد اقفلت دور الرئاسة في كل العالم ومجالس النواب والشورى وكل المؤسسات الحكومية..
حتى المحافل الدولية كمجلس الأمن والأمم المتحدة والجامعة العربية وكل الهيئات والمنظمات الدولية صارت خالية من أربابها…. فالجميع صاروا في المعتقل..
ما يبعث على الغرابة هو أنني لم اسمع لحد الآن تصريح لزعيم دولة أو قائد جيش يتهدد فيه هذا العدو أو يحرك جيشه وطائراته ويعلن التعبئة العامة لمواجهته… لكن لعل الدول الكبرى وذات الأسلحة النووية يتحلون بالصبر الاستراتيجي ويدرسون الخيارات العسكرية لتوجيه ضربة قاضية لهذا العدو!!
ولا أستبعد أن هناك قيادات محنكة ممن هم حريصون على الأمن القومي العالمي من يعملون على رص الصفوف وتشكيل تحالف دولي لضرب هذا العدو في عملية ناجحة قد يطلقون عليها اسم ( عاصفة الحزم) للعالم أجمع يمكن أن نقول:
نحن في اليمن اكملنا العام الخامس من عدوان غاشم لتحالف دولي برعاية أممية وإشراف ومساندة أمريكية وبزعامة عربية .
عدوان سمع به العالم أجمع وطرقت أخباره مسامع كل دعاة الإنسانية ،ووصلت مناشدات شعبنا إلى كل طاولة في المحافل الدولية .. ولا من مجيب !!
كما أنتم اليوم تعانون من إغلاق مطاراتكم ،فمطاراتنا مغلفة منذ خمس سنوات ، بل كل منافذنا البرية والبحرية والجوية ..
يؤسفنا أن تعلق الدراسة ويحرم أبناؤكم منها في ظل تفشي فيروس كورونا.. لكن ليكن في علمكم أن الكثير من أبناء شعبنا اليمني حرموا من الدراسة والتعليم حين دمرت طائرات التحالف مدارسهم ،ومن لم تدمر مدرسته فغارات الطيران تصيبه بالرعب يومياً ..
مرعب جداً خلو شوارعكم من المارة ،والمكوث في المنازل -كخطوة احترازية لتجنب الإصابة بالفيروس- فهذا أمر لم يكن يتوقعه أحد..
لكن بالإمكان أن تتذكروا الأشهر الأولى من انطلاق عاصفة الحزم والحرب على اليمن ، فقد عاشت الكثير من المناطق ما تعيشونه اليوم لكن بسبب كثافة غارات الطيران التي وصلت لأكثر من مائة غارة في اليوم الواحد في بعض المدن والمناطق اليمنية كصعدة وحرض وغيرها ..
مؤلم جدا حين نشاهد مستشفيات دول العالم وهي تكتض بالمصابين بفيروس كورونا وعداد الوفيات الذي صار يرتفع على مدار الساعة..
لكن لا يخفاكم أن هذا مشهد تعيشه أغلب مستشفيات اليمن على مدى خمسة أعوام ، ولعل استغاثاتها المتكررة قد أزعجت مسامعكم فتغافلتم عنها خلال هذه الفترة…
مستشفياتنا لخمسة أعوام تكتض بقتلى وجرحى غارات الطيران والصواريخ والمدافع والقنابل العنقودية المحرمة دوليا.. ليس هذا فحسب،بل هناك الآلاف من المصابين والقتلى جراء تفشي أمراض الكوليرا وحمى الضنك والملاريا والنقص الحاد في سوء التغذية، أما عن مرضى السرطان والفشل الكلوي فحدث ولا حرج ،فلعل أنينهم وصرخات استغاثاتهم وتهتك جراحاتهم قد أزكمت انوفكم يوماً من الأيام؟!!
كل هذه المعاناة قاساها شعبنا وأنتم – أيها العالم – ما بين متفرج ساكت أو داعم لمن يشن الحرب علينا ولو ببيع الأسلحة أو المشاركة بالعدد أو العدة أو أي نوع من
أنواع الدعم !
أخيراً نحن والله نأسف أننا لا نستطيع أن نعمل لكم شيئاً لتخفيف معناتكم هذه جراء تفشي هذا الفيروس ولو بإمكاننا فعل شيء لما ترددنا في ذلك .. مع أنه كان بإمكانكم تخفيف معاناتنا وفتح مطاراتنا لترحيل مرضانا وجرحانا لمعالجتهم خارج الوطن لكنهم ظلوا يتجرعون أوجاعهم حتى وافتهم المنية على مرأى ومسمع منكم … والله المستعان.
لكن لا قلق !! فقادة الحرب علينا أعلنوا جنوحهم للسلم وأثبتوا صدق ذلك يوم أمس من خلال طائراتهم التي شنت على العاصمة صنعاء أكثر من عشرين غارة لم يسلم منها الإنسان ولا الحيوان ، وإثباتاً للمصداقية اكثر فقد القت طائراتهم عقب تلك الغارات بصناديق مليئة بالفاين والكمامات الملوثة بفيروس كورونا لنقله إلى بلدنا الذي لا زالت رعاية الله تحميه من هذا الوباء وبجهود حكومته ووعي أبناءه.