النباء اليقين

مَنهج الشّهيد القَائد النُّور والبُشرَى والحقُّ المبين

الهدهد / مقالات

مطهر يحيى شرف الدين

بعد أن أسدل الَّليل ستارَه وخنعت الأُمةُ وساد الظلمُ وتماهت معه أشباه الرجال الذين أحبُّوا الشهوات والماديات حتى الاستماتة، ورغبوا عن الروحيات المُنجيات والباقيات الصالحات، واتخذوا غيرَ اللهِ وكيلاً وجعلوهُ سبيلاً لاسترضاء من باءوا بغضبٍ من الله وسخطه، وضُربت عليهم الذلةُ والمسكنةُ وطبع اللهُ على قلوب الجبابرة من أعمى الله بصائرهم، وكانوا في الضلالة يعمهون، وبالعمالة يفخرون، وعلى سقوط كرامتهم يتسابقون، وعلى دُنو نفوسهم وانحطاطهم يتنافسون.

وقد أصبح الارتزاقُ لديهم ثقافة، وأضحت عندهم العمالةُ سياسة، فكانت عبادتهم لله عادة وجعلوا الدين وسيلةً للوصول إلى مصالح شخصيةٍ وذاتية، بعد كُـلِّ ذلك هيأ اللهُ سبحانه سبباً من أسباب الهداية والنجاة والاستقامة، علماً من أعلام الهدى الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه-، إمامٌ مُحقٌّ رفع منارَ العدل والدين، قائمٌ دعا إلى الله على بصيرةٍ، وعمل بتوجيهات الله سبحانه: (وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا).

التفّ رجالٌ مؤمنون صادقون حول الشهيد القائد، وانتصروا لمشروعِه القرآني ونهجه المحمدي وخطِّه العلوي ومبدأه الحسَيني، وقد أدركوا جيَدًا معنى قوله صلواتُ الله عليه وآله: (ما من رجلٍ بين ظهراني قوم يُعمل بين أظهُرهم المعاصي ولا يأخذون على يده إلّا أوشك أن يعمّهم اللهُ بعقابه).

ولذلك تحَرّك السيّدُ حسين وكانت له المواقفُ الصلبة من كُـلِّ معصيةٍ صغيرة كانت أَو كبيرة، وعمل على كشفِ الاختلالات في العقيدة وصحح المفاهيمَ والثقافات الخاطئة، مناهضاً ومقارعاً أدواتِ الظلم والاستكبار، حاملاً دينَ الله في قلبه وقد نشأت حواسُّه وجوارحُه على الارتباط بالقرآن الكريم، وكانت غايته في الحياة أن يستقيم الناسُ وأن يتبعوا آيات الذكر الحكيم في سبيل نهضتهم وتحرّرهم، وإدراك غاية وجودهم في هذه الحياة، وماذا ينبغي عليهم أن يعملوه، وكيف ينبغي تسخير أوقاتهم واستغلال ظروفهم وقدراتهم في سبيلِ تحقيق الاكتفاء الذاتي والاستقلال الاقتصادي وإعداد العُدة والعتاد، ورسم المواقف إزاء ما تواجهه الأمةُ الإسلاميةُ من مخاطر وجود الكيان الغاصب على الجسد العربي، ومن مؤامرات غربية للنيل من وحدة الأمّة الإسلامية.

ليست غريبةً تلك الانطلاقة الحسينية وذلك الموقف والمبدأ على من تربّى ونشأ نشأةً طيبةً زكيةً، يحيط به علماء ربانيون وتحتضنه تلك البيئةُ الطاهرة المحافظة على دينها والأصيلة في ثقافتها وقيمها الإِيْمَانية ومعالمها التاريخية، واليوم تتحدّث كتبُ التاريخ ودواوين الشعر عن السيّد الشهيد القائد حسين كأعظم حكيمٍ وَقائدٍ عرفته البشريةُ، وأكبر مجاهدٍ في التاريخ المعاصر الذي لم يكن همُّه إلّا أن يكون دينُ الله هو الأعلى والأسمى، بعد أن صار الولاءُ العميقُ للدين خطيئةً والعمل بكتاب الله جريرةً، ترك الدنيا وشهواتها وزينتها وراء ظهره، فكانت أولوياته في الحياة كيف يكون الإنسانُ مؤمناً صالحاً صادقاً مع الله، فكان له السّبق في مشاريع الخير خدمةً للإنسان وفي أعمال البِر والإحسان.

أحبَّ القربَ من عامة الناس؛ بغيةَ أن يستلهموا منه الحكمةَ وَالمعرفةَ والبصيرةَ، بما يحيطهم من مكرٍ ومكائدَ، وما يتربّص بهم من حقدٍ ومفاسد، رأينا الشهيدَ القائد وسمعناه وأدركنا ثمرةَ تحَرّكه وتأثرنا بخطاه وخطونا بمنهجه، ونهجنا مشروعه القرآني وقرأنا سيرته الخالدة، وتخلّدت في عقولنا وأفكارنا ثوابتُه الدينيةُ والأخلاقيةُ التي لفظت العمالةَ والارتهانَ، وعلّمتنا أنَّ الإنسانَ عزيزٌ كريمٌ لا يقبل الامتهانَ ولا يقبل التبعيةَ ولا يرضى لنفسه أن يكون عالةً على غيره يُقاد كالحيوان.

عمل الشهيدُ القائدُ بقولِ الإمام علي -عليه السَّلامُ-: (كل بلاءٍ دون النار عافية، وكل نعيمٍ دون الجنة محقور)، فلم يخشَ في الله لومةَ لائم، ولم يخف من سلطةٍ جائرة أَو نظامٍ عميل أَو حاكمٍ ظالم أَو أنظمة عالميةٍ مستكبرة، ولم يلقِ بالاً لطوفان الغضب المنتصر لقوى الشر المتنكِّر للرابطة الدينية الجامعة والمتنصل عن الثوابت الوطنية والأخلاقية.

مبادئ الشهيد القائد ومشروعه القرآني ونهجه المحمدي وشجاعته العلوية، أنتجت هذه الأمةَ الحسينيةَ في الأرض اليمنية التي صنعت المستحيلَ وأذهلت العالمَ بقدراتها العسكرية وإمْكَانياتها المتواضعة، بالإبداع والابتكار والعمل الجاد في صنع الآلة الدفاعية والهجومية ضد أعداء الله ورسوله والمؤمنين، وَناهضت سياسةَ المجاملة والانبطاح لدول البغي والطغيان، وواجهت أعتى دول الاستكبار؛ من أجلِ أن تكون خيرَ أمَّة يسودها القوة والمنعة والبأس الشديد.

رحمك اللهُ أيها الشهيدُ القائدُ، ونسألُه تعالى أن يجمعَنا بك في مستقر رحمته مع الأنبياء والشهداء والأولياء، وأن يوفقَنا إلى ما فيه نصرةً لدين الله وإعلاءً لكلمته وإزهاقاً للباطل والطغيان، إنه على ما يشاء قديرٌ..