المحاضرة الرمضانية السابعة والعشرون للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي 1441هـ
أُعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ ألا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة والأخوات
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
وتقبَّل الله منَّا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال.
اللهم اهدنا وتقبَّل منَّا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
تحدثنا على ضوء الآيات المباركة في المحاضرة بالأمس عن الذين كفروا كيف يعتمدون على إمكاناتهم المادية، ويراهنون عليها، ويعتبرونها مرتكزاً لقوتهم، في سعيهم، ومؤامراتهم، ومكائدهم، واهتماماتهم العملية الواسعة، التي يريدون من خلالها صد الناس عن سبيل الله، ثني الناس وصرفهم ومنعهم عن الاهتداء بهدى الله، وعن الاستجابة العملية لله -سبحانه وتعالى-، وعن التحرك في هذه الحياة على أساس منهج الله -سبحانه وتعالى-.
فالذين كفروا هم يسعون إلى السيطرة على الناس، على المجتمعات البشرية، والتحكم بالناس، وفرض بدائل عن سبيل الله، بدائل عن منهج الله الحق، بدائل عن هدى الله -سبحانه وتعالى-، في كثيرٍ من الأمور التي يرون سبيل الله فيها عائقاً يحول دون تمكِّنهم من التغلب على الناس، والاستعباد للناس، والظلم للناس، وحائلاً يحول بينهم وبين الفساد، وبين الظلم، وبين المنكر، وبين الباطل، وبين الاستغلال للعباد، فهم ينظرون إلى كثيرٍ مما في هذا الدين من الأشياء الأساسية، مما في هدى الله -سبحانه وتعالى- وفي منهجه الحق من الأشياء التي تكفل للمجتمع البشري أن يتحرر- بما تعنيه الكلمة- من كل سيطرةٍ للطاغوت، من كل استحواذٍ لقوى الشر والإجرام والفساد، فيرون في كل ذلك: كل تلك التعليمات، المبادئ، القيم، الفرائض التي لها هذه الثمرة في الواقع، لها هذا الأثر في الحياة، ينظرون إليها كمشكلة، ويسعون إلى صد الناس عنها بكل الوسائل: وسائل عسكرية، وسائل أمنية، وسائل سياسية، وسائل إعلامية، وسائل تثقيفية وتضليلية، وتقديم ما يساهم في التأثير سلباً على الناس، من خلال كلما يساعد من الأساليب والوسائل على إفساد الناس وتضليلهم، فهم لا يألون جهداً في صد الناس عن سبيل الله، عن هديه، عن منهجه الحق، وعن التأثير على الناس بالتضليل من جانب، بتقديم بدائل، مفاهيم أخرى، وتصورات أخرى، وأفكار أخرى؛ لمحاولة أن تصنع قناعة لدى الناس بكل ما من شأنه أن يساعد أولئك على السيطرة عليهم، والاستحواذ عليهم.
وأيضاً ما يساهم على إفساد نفوس الناس؛ حتى تنسجم معهم، تنسجم مع فسادهم، تنسجم مع منكرهم، مع باطلهم، فبالتضليل والإفساد وما يساهم في ذلك، وما يساعد على ذلك، يتحركون بشكلٍ واسع، يمولون تمويلاً واسعاً الكثير من البرامج، والأنشطة، والأعمال التي تساعد على تحقيق ذلك.
وأيضاً بالسطوة والجبروت؛ حتى يتمكنوا من إخافة الناس، البعض من الناس لا يرتبطون بهدى الله على النحو الذي يحميهم من هذه المخاوف، يدفع عنهم هذه المخاوف؛ فيتأثرون، ومن جانبٍ آخر بالإغراء المادي للبعض من الناس، لشراء الذمم، ولاستقطاب الناس، ولتجنيدهم في صف الطاغوت، في صف الباطل، عن طريق الإغراء المادي، فهم يمولون من خلال مالهم وإمكاناتهم المادية التي يعتمدون عليها للصد عن سبيل الله الكثير من الأعمال، والكثير من الأنشطة في كل المجالات، ويتحركون بكل الوسائل وبكل الأساليب لتحقيق هذا الهدف، ما هو؟ الصد للناس عن سبيل الله.
وهم في موقفهم هذا في موقفٍ عدواني، لا حق لهم في ذلك، إنما يسعون إلى السيطرة على عباد الله، والتحكم بهم، والهيمنة عليهم، وفرض باطلهم الذي يخضع الناس لهم، وفرض طغيانهم وفسادهم ومنكرهم بغير حق، هذا بحد ذاته يمثل عدواناً على الناس، وتحركاً عدائياً لا مبرر له، ولا مشروعية له، مهما حاولوا أن يطبعوه بطابعٍ لشرعنة، أو بعناوين وتبريرات واسعة يقدِّمونها للتضليل والكذب والتزييف للحقائق، فهم في واقع الحال المعتدون بغير حق، هم الظالمون، هم المجرمون، هم المعتدون، هم في موقفٍ غير مبرر، ولا مشروع، ولا ضرورة له، فليسوا في حالة نقول عنها: أنها حالة دفاعية، أو أنهم في وضعٍ يدفعون عن أنفسهم ظلماً أو عدواناً، ليسوا في حالٍ كهذا؛ إنما هم في الموقف العدواني هم.
والموقف منهم في العمل على التصدي لهم في عدوانهم وفي موقفهم الظالم، هو الموقف الصحيح، وهو لا ينطلق من حالة عدوانية وظالمة؛ حتى يبرر لهم ما يفعلونه هم من صد، من اعتدى، من ظلم، من حرب يبتدئونها هم؛ ولذلك يقول الله -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}[الأنفال: من الآية38]، بما يوضح أنَّ الموقف الحق، الموقف القرآني لم يكن عدوانياً، ولم يكن في موقع لا يجعل الذين آمنوا في موقع الظالمين لهم، والمعتدين عليهم، |لا| إنما هم هم أولئك الأعداء الذين هم في موقف العدوان والظلم، فإن ينتهوا عما هم عليه من صد، من ظلم، من عدوان، فالموقف الحق، الموقف القرآني ليس موقفاً عدوانياً ولا ظالماً؛ وبالتالي لا ينطلق من منطلق الروح الانتقامية، ولا تصفية الحسابات الشخصية بالنسبة للماضي، كان موقفاً لدفع عدوانهم، وكان موقفاً لمنع صدهم، وكان موقفاً لدفع ظلمهم، ودفع شرهم، ودفع فسادهم، ودفع باطلهم؛ ولذلك: {إِنْ يَنْتَهُوا}، كما قال هنا في هذه الآية المباركة: {يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}[الأنفال: من الآية38]، فليس هناك استمرارية لتصفية الحسابات على الماضي، ولا هناك عداء شخصي يستمر كعداء شخصي، الموقف منهم في مقابل موقفهم، الموقف منهم في مقابل عدوانهم، في مقابل صدهم، في مقابل ظلمهم، في مقابل طغيانهم؛ ولذلك فهو موقفٌ عادل، وموقفٌ صحيح، وموقفٌ مشروع، وموقفٌ إنسانيٌ ومنطقي، ليس فيه أي ظلم، ليس فيه أي طغيان، ليس فيه أي عدوان، بل إنه على هذا المستوى، لدرجة أنه لا ينطلق من منطلق تصفية حسابات شخصية، أو حسابات على الماضي، أو يحمل طابع شخصي، فتستمر المعركة حتى لو توقفوا، لو كفوا، لو انتهوا عن عدوانهم، عن صدهم؛ فلذلك نجد هنا كيف يتميز الموقف القرآني بأنه موقفٌ محق، وكيف يكشف حقيقة الآخرين وما هم عليه، وهذا فعلاً ما تجسَّد في تاريخ الإسلام في سيرة رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- كمواقف عملية واضحة.
في يوم الفتح (يوم فتح مكة) في السنة الثامنة للهجرة، وبعد الكثير من الحروب، وبعد تاريخ طويل لأكثر من عشرين عاماً من حرب قريشٍ ضد الإسلام، وعدائهم للرسول -صلوات الله عليه وعلى آله-، وما فعلوه في كل ذلك الزمن الطويل بحق الإسلام، بحق الرسول، بحق المسلمين، ما ارتكبوه من جرائم، من إساءات، من تكذيب، من محاربة بكل أشكال المحاربة، عندما دخل النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- إلى مكة فاتحاً، وجُمِعُوا أمامه، وقال لهم في خطابه الشهير والتاريخي العظيم: ماذا تظنون أني فاعلٌ بكم؟ يعني: بعد كل الذي قد فعلوه من قتل، من ظلم، من إجرام، من محاربة، من صد، من تكذيب، من عداء، من إساءة، ماذا تظنون أني فاعلٌ بكم؟ قالوا: أخٌ كريم وابن أخٍ كريم، لاحظوا كيف هم في قرارة أنفسهم بالرغم من أنهم كانوا فيما سبق يقولون أسوأ الكلام بحق رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-، يسيئون إليه، ويحاربونه، ويوجهون إليه الاتهامات، ويطلقون عليه الدعايات، لكنهم في قرارة أنفسهم وعندما حصحص الحق، نطقوا بالنظرة الصحيحة الواقعية الحقيقية، والتقييم الصحيح، فقال كلمته الشهيرة: أقول كما قال أخي يوسف، يعني: نبي الله يوسف -عليه السلام-، أقول كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم، اذهبوا فأنتم الطلقاء، اذهبوا فأنتم الطلقاء، كلمة شهيرة وتاريخية، وموقف تاريخي جدًّا.
ففي طريق الحق ليس هناك استمرارية في حمل روح انتقامية وتصفية حسابات عن الماضي، وهذا يعطي الفرصة للآخرين أن يراجعوا حساباتهم، ونجد كيف توجه الدعوة لهم لمراجعة حساباتهم، وللحث لهم على أن يتوقفوا، وأن يكفوا، وأن ينتهوا عن عدائهم، عن بغيهم، عن عدوانهم، نجد في هذه الآية المباركة، ونجد في الآية المباركة التي قد سبقت عندما قال: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}[الأنفال: من الآية19]، تقدَّم في الآية السابقة: {وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}، فالله -سبحانه وتعالى- يوجِّه هذه الدعوة، ويجب أن توجَّه دائماً؛ لأنه هنا يقول: {قُلْ}، يجب أن تتوجه من الذين آمنوا، أن توجه إلى الأعداء، وأن يقال لهم: من الأفضل لكم أن تكفوا، أن تنتهوا، نحن لسنا أصحاب تصفية حسابات على الماضي، إذا توقفتم، إذا انتهيتم عما أنتم عليه من العدوان، من الظلم، من الصد، فلن نستمر معكم، ونصر على الاستمرار في حربنا معكم من باب تصفية الحسابات على الماضي، ومن باب الروح الانتقامية عما قد مضى، فهذه فرصة لهم، هم المعنيون بمراجعة حساباتهم هم؛ لأنهم هم في الموقف الظالم، هم في الموقف العدواني، هم في موقف البغي، هم الذين عليهم أن يراجعوا حساباتهم.
{وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ}[الأنفال: من الآية38]، وإن يعودوا إلى الحرب من جديد، يعودوا إلى الصد من جديد، يعودوا إلى البغي والعدوان والظلم من جديد، فلا قلق، لن يربحوا المعركة؛ لأنهم عادوا من جديد، معركتهم في الصد عن سبيل الله، في منع الذين آمنوا عن التحرك في حياتهم هذه على أساس منهج الله، في صدهم للناس عن التمسك بهدى الله، وعن الموقف الحق، معركتهم خاسرة، خاسرة، ومآلاتها وعواقبها عليهم كذلك وخيمة وسلبية، فإذا عادوا وأصروا على المواصلة، أصروا على الاستمرار، {فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ}، فلله سنة، سنة من سننه المستمرة؛ لأن سنن الله هي ثوابت مستمرة في تدبيره -جلَّ شأنه-، وكانت سنته أن يخذلهم، أن يكسر شوكتهم، أن يجعل مآل أمرهم إلى الخسران، وإلى الهزيمة، فإذا استمروا وواصلوا، فمواصلتهم واستمرارهم، والجديد من مؤامراتهم ومخططاتهم لن يوصلهم إلى نتيجة، إنما ستكون عاقبتهم الخسارة، لن يوصلهم إلى النتيجة التي يرجونها، ولن يكون لصالحهم، {فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ}، التي ستجري عليهم، فينهزمون كما هُزِم من قبلهم من قوى البغي والعدوان والاستكبار والظلم التي تسعى لصد الناس عن سبيل الله، قد فشلت بالرغم إمكاناتها المادية الضخمة، بالرغم من حجم مؤامراتها ومكائدها، وحجم بغيها وعدوانها وممارساتها الظالمة، كل ذلك لم يُجْدِها شيئاً أمام بأس الله وجبروته، {فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ}، ونجد كما قال أيضاً في الآية السابقة: {وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ}[الأنفال: من الآية19]، فهم مهما حشدوا، مهما جنَّدوا، مهما كانت مؤامراتهم، مهما كانت خططهم، فهم لن ينجحوا ، ليست هي بحد ذاتها الكفيلة بنجاحهم، لا إمكانياتهم المادية، ولا تعنتهم وإصرارهم واستمرارهم يمكن أن يفيدهم بعامل الزمن، مثلاً: أنها طالت الأحداث من عام إلى عام، يعني: لاحظوا مثلاً من بعد غزوة بعد إلى السنة الثامنة للهجرة، استمرت حالة الصراع والمعارك والأحداث والمؤامرات، استمرت، لكنها في نهاية المطاف أوصلت أولئك البغاة، المعتدين، المجرمين، الصادين عن سبيل الله إلى الخسران، وفشلوا في نهاية المطاف، بعد أن تكبَّدوا خسائر كبيرة وعلى المستوى المادي والبشري، وبعد أن سقطت وفشلت الكثير من مؤامراتهم، فهم في كل زمان يسعون فيه للصد عن سبيل الله، سواءً الذين كفروا، أو حلفاؤهم، أو عملاؤهم، أو أنصارهم، أو من يقف في صفهم من المنافقين، الذين يمارسون نفس الدور في الصد عن سبيل الله، من الأحبار والرهبان الذين يمارسون أيضاً هذه الجريمة: الصد عن سبيل الله… من غيرهم، المهم هو إذا استمر العدو، إذا أصر على تعنته، وواصل مشواره الخاطئ، أن يتحرك الذين آمنوا بمسؤولياتهم وواجباتهم كما ينبغي، هذه هي المسألة الأهم، بتوكلٍ على الله -سبحانه وتعالى-، واعتمادٍ على الله -سبحانه وتعالى-، وثقةٍ بالله -جلَّ شأنه-.
ولذلك يقول -سبحانه وتعالى-: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}[الأنفال: 39-40]، {وَقَاتِلُوهُمْ}، في مقابل أنهم يقاتلون، ويصدون، ويتآمرون، ويمكرون، ويعتدون، الموقف الصحيح تجاه ذلك هو: {قَاتِلُوهُمْ}، طالما هم يواصلون صدهم، وعدوانهم، وبغيهم، وفتنتهم، ومساعيهم للسيطرة على الأمة، ومنعهم للناس عن الاهتداء بهدى الله، وعن الاستجابة العملية لله، وعن التحرك في طريق الحق، طالما وهم يسعون إلى فرض باطلهم، وفرض هيمنتهم، وفرض نفوذهم وسيطرتهم على الناس، ودفع الناس بالاتجاه الذي يريدون، ويصرفونهم فيه عما يوجههم الله، عما يهديهم إليه، عما يأمرهم به، فهذه الحالة تستدعي الوقوف بجد في مواجهتهم، وبالقتال في سبيل الله -سبحانه وتعالى-، القتال لمواجهة شرهم، لمواجهة عدوانهم، لمواجهة فتنتهم، لمواجهة فتنتهم وبغيهم، لمنع هذه السيطرة التي يريدونها، لمنع هذه الحالة التي يريدون فرضها على الناس.
{قَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}، لا يتمكنون من فتنة الناس، من السيطرة عليهم، من فرض ما يريدونه من باطلهم عليهم، من ثنيهم عن الموقف الحق، وردهم عما يأمرهم الله به، ويوجههم إليه، حتى تمنعوهم من الإجبار للناس والدفع للناس في المواقف الباطلة التي يريدون أن يدفعوا بالناس إليها، وهذا يبين لنا طبيعة المعركة، أولاً: أين يجب أن نكون؟ مسارنا الذي يجب أن نتحرك فيه هو: التحرك على أساس هدى الله -سبحانه وتعالى-، والاستجابة العملية لله -جلَّ شأنه-، وأن نقف المواقف التي يأمرنا الله بها، هنا عندما يحاولون أن يفرضوا علينا مواقف أخرى، عندما يحاولون أن يفرضوا علينا بدائل أخرى، توجهات أخرى، مسارات أخرى، ولاءات أخرى، لا يجوز أن نقبل تحت عامل الضغط والحرب والعدوان، لا يجوز أن نستسلم لهم، وأن ننقاد لهم، وأن ننحي لهم، وأن نخضع لهم، لا يجوز ذلك، بل يجب علينا أن نقاتلهم، عندما يقاتلونا لإخضاعنا لسياساتهم المنحرفة عن منهج الله الحق، ليفرضوا علينا توجهاتهم المنحرفة عن منهج الله الحق.
عندما يحاولون مثلاً في هذا الزمان أن يفرضوا علينا كأمةٍ مسلمة أن نخضع بالولاء لأمريكا، بالولاء لأعداء الأمة من اليهود والنصارى لأمريكا وإسرائيل، هذه حالة تمثِّل صداً بكل ما تعنيه الكلمة عن سبيل الله، تمثِّل صرفاً عن الموقف الحق الذي يأمرنا به الله -سبحانه وتعالى-، تمثِّل تهديداً لنا في قيمنا ومبادئنا الدينية، والتزاماتنا الإيمانية؛ لأنه يدخل ضمن ذلك الكثير من البدائل التي تأتي لإفسادنا وتضليلنا، الذي يعمله الأمريكي ليس فقط سيطرةً عسكرية، الذي يسعى له الإسرائيلي ليس فقط سيطرةً عسكرية، إنما سيطرة يتجهون فيها لمسخ الأمة، لإغواء الأمة، لإضلال الأمة، يتجهون فيها لإفساد الأمة، فكم يأتي من صدٍ عن سبيل الله في كثيرٍ من الأمور ذات العلاقة بالإنسان في سلوكه، في أعماله، في واقعه الاجتماعي، في حياته، في مواقفه، في مسؤولياته، صرف عن جملة كبيرة من توجيهات الله، من تعليمات الله، من أوامر الله، وصد عنها، وثني للناس عن الالتزام بها، يصبح البديل عن التوجيه الإلهي: التوجيه الأمريكي، السياسات الأمريكية، السياسات الإسرائيلية، تصبح هي التي يتحرك الناس على أساسها، هي التي تدخل إلى المناهج الدراسية، هي التي تدخل إلى السياسات العامة في الدولة، إلى الواقع الاجتماعي للناس، إلى الواقع السلوكي للناس، وكلها إفساد، وكلها تضليل، وكلها عملية صرف عن الاتِّباع لتعاليم الله، وتوجيهات الله، والالتزام بهدى الله -سبحانه وتعالى-، والهدف منه: السيطرة على الناس، هم بإضلال الناس وإفسادهم يتمكنون من السيطرة التامة والكاملة والحقيقية عليهم، أكبر وسيلة للسيطرة الفعلية على الإنسان، على فكره، على قناعاته، على ولاءاته، على مواقفه، على أعماله، على تحركاته، هي: بإضلاله وإفساده، هذه أخطر وسيلة للسيطرة، وهي تعتمد على الصد عن سبيل الله -سبحانه وتعالى-، ويشتغل عليها الذين كفروا والمنافقون الذين يوالونهم، ويشتغلون من داخل الأمة لمصلحتهم، وفقاً لسياسات ومواقف وخطط مشتركة معهم، فيصبح توجههم توجهاً مشتركاً، ما بين الكافرين والمنافقين، فتصبح خطة المنافقين هي الخطة التي يريدها الذين كفروا، ويسعى لها الذين كفروا؛ إنما أولئك يعملون على تنفيذها في داخل الأمة، ومن واقع انتمائهم للإسلام يخادعون الكثير، ويضحكون على السذج والبسطاء الذين لا يمتلكون الوعي الكافي، ولا يستنيرون بنور الله -سبحانه وتعالى-.
فالفتنة التي يفتنون بها الناس هي هذه الفتنة التي يصرفونهم بها عن اتباع هدى الله، عن الاستجابة العملية لله، عن الالتزام بتعليمات الله -سبحانه وتعالى-، ويصرفونهم إلى بدائل، إلى توجهات أخرى، إلى مواقف أخرى، حالة من الانحراف، سواءً وصلت هذه الحالة من الانحراف للارتداد الكلي عن الإسلام، وهذا يحصل للبعض، يحصل للبعض أن يصلوا إلى هذا المستوى من الارتداد الكلي عن الإسلام والخروج منه، أو الارتداد عن جملةٍ مهمةٍ من الإسلام، سواءً التعاليم ذات العلاقة بالشأن الأخلاقي للإنسان والسلوكي، أو الشأن الاجتماعي، أو المواقف… أو أي مسائل أو قضايا مهمة؛ لأن المطلوب التزام تام بتعليمات الله وتوجيهاته في كل مجالات الحياة، هذا هو المطلوب، هذا هو التوجه الصحيح، ولهذا قال: {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}، الحالة السائدة التي تعم، والتي يجب أن يتحرك عليها الذين آمنوا، أن يسود منهج الله -سبحانه وتعالى-، وتعليماته الحق، ومنهجه العظيم، وأن لا يتمكن الآخرون من منع ذلك، لا يتمكن الذين كفروا من منع الأمة، من منع الناس من ذلك، إذا سعوا عن منع الناس من ذلك عن طريق الحرب والعدوان والصد بكل الوسائل، فأن يتم التصدي لهم تعتبر هذه مسؤولية والتزام إيماني، ضمن الالتزامات الإيمانية الدينية، يعني: ليست المسألة مبنية على أننا سنلتزم بالإيمان، سنلتزم بمنهج الله، سنتبع من تعليمات الله، لكن بالقدر الذي يسمح به الذين كفروا؛ أما بالمقدار الذي لا يسمحون به فسنقول: [خلاص، ليس له لزوم، نشطبه من الإسلام]، ونلغيه من قائمة الدين، نقول: [صح الجهاد في سبيل الله، العمل لإعلاء كلمة الله، العمل لإقامة الحق، العمل لإقامة العدل… هذه صح من الإسلام، لكن لن يسمح بها الذين كفروا، إذاً نشطبها ونلغيها ونعتبرها غير ممكنة التطبيق؛ نظراً لاعتراضهم عليها، ليست المسألة متوقفة على مقدار ما يسمحون به، وإلغاء ما لا يسمحون به، من هم حتى يكون لهم هذا الحق؟ لو نظر الإنسان هذه النظرة فهي نظرة خطيرة جدًّا على إيمانه، لو نظر إلى أننا سنأخذ من الإسلام ما تسمح به أمريكا، وسنعدل من الإسلام ما تريد منا أمريكا أن نعدله، وسنعدل من الإسلام ما ترغب إسرائيل بتعديله، مفاهيم إسلامية نغيرها على النحو الذي يرضي إسرائيل، توجيهات من توجيهات الله -سبحانه وتعالى- تعارضها إسرائيل، نشطبها، تعارضها أمريكا، نلغيها، أو نجمدها.
إذا اتجهت الأمة هذا التوجه، فهي جعلت طاعتها للذين كفروا أكبر وأقدم من طاعتها لله -سبحانه وتعالى-، جعلت فيتو أمريكي وفيتو إسرائيلي على ما هو مهمٌ من الإسلام، فتلغيه، أو تجمده، أو تغيره وتحرِّف فيه استرضاءً لهم، ولهذا لم يكن مسموحاً حتى في عصر النبي -صلوات الله عليه وعلى آله بذلك-، لم يكن مسموحاً بذلك، والذين يكونون على هذا النحو لديهم خلل كبير في مصداقية انتمائهم الحقيقي للإيمان، الحالة التي يتحول فيها التوجه بكله محكوماً بسياسات الذين كفروا، الذين كفروا في زماننا في طليعتهم أمريكا، وفي طليعتهم إسرائيل، هم أئمة الكفر في هذا الزمن، هم الذين يحملون راية الطاغوت في هذا العصر، هم الذين يسعون إلى أن يتحكموا بنا، والتحكم بنا يتم بفرض سياسات وإملاءات تأتي إلى واقع حياتنا، حتى على حساب المفاهيم الدينية، والمبادئ الدينية، والقيم الدينية، والأخلاق الإسلامية، والمواقف الدينية، ثم يأتي البعض بدافع الاسترضاء لهم إلى عملية تغيير وتحريف وتبديل لكثير من المفاهيم الدينية، الالتزامات الدينية، وفرض سياسات تفسد المجتمع، تنشر الفساد في أوساط المجتمع، تضل الناس، وتؤثر على كل واقع حياتهم، تضعفهم، سياسات في الواقع الاقتصادي تدمر اقتصادهم، تحول اقتصادهم إلى اقتصاد ضعيف، يخدم الأعداء، اقتصاد قائم على استهلاك بضائع الأعداء، وليس على الإنتاج، سياسات وبدائل تضعف الأمة في كل مجالات حياتها، وتكفل للأعداء السيطرة عليها، وهذا يأتي إلى كل واقع الحياة، يأتي إلى كل واقع الحياة، إلى الواقع الاقتصادي، إلى الواقع العسكري للأمة… إلى كل مجالات الحياة؛ لأن المسألة ليست مسألة فقط مسألة عقائدية، فتكون المشكلة معهم فقط أنهم يريدون يجبروا الناس مثلاً على أن يكفروا كفراً صريحاً بالله -سبحانه وتعالى-، على أن يرتدوا عن الشهادتين مثلاً، لكنه سيسعى إلى أن يجردك من كل المضمون الذي يبنى على الشهادتين؛ حتى تصبح الشهادتان مجرد كلمتين تقولها بلسانك، لا تبني عليها شيئاً في واقع الحياة، تصبح مقولة (لا إله إلا الله، محمدٌ رسول الله) مقولة تنطق باللسان، أو تكتب في العلم، أو تكتب في الورق، ولكن لا يبنى على أساسها شيءٌ في واقع الحياة، هذا ما تسعى له أمريكا، ما تسعى له إسرائيل، تقول: (لا إله إلا الله، محمدٌ رسول الله)، لكن وتجعل من نفسك جندياً تبذل كل مالك، وكل جهدك، وكل طاقاتك، وكل أعمالك في خدمة أمريكا، هل هذا هو المضمون الذي يبنى على أساس الشهادتين؟ |لا| (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله) يبنى عليها مضمون، مضمون أن تعبد نفسك لله، أن تتحرك في هذه الحياة على أساس هدى الله، مضمون أن تتحرك في هذه الرسالة التي آمنت برسولها محمد -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله-، محمدٌ رسول الله، إذاً أقتدي به، أتبعه، ألتزم بتعليماته، بتوجيهاته، أحذو حذوه، أسير في طريقه.
ولذلك البدائل التي يحاولون فرضها، هم يحاولون فرضها حتى بالقوة العسكرية، يحاولون فرضها بكل الوسائل، بسياسات وأعمال واسعة وأساليب خطيرة جدًّا، فالأمة عليها أن تتمسك بموقفها الحق، وفي منهجها الحق، وأن تواجه جبروت الأعداء الذي يستخدمونه كوسيلة رئيسية لإخضاع الناس؛ لأنهم عندما يفشلون في وسائلهم الأخرى، يضيفون إلى ذلك وسيلةً أخرى هي الحرب العسكرية، فإذا اتجهوا بالحرب العسكرية يجب أن يواجهوا أيضاً بالحرب العسكرية، {وَقَاتِلُوهُمْ}، لم يقل الله -سبحانه وتعالى-: [ما دام والمسألة قد تحتاج إلى قتال فاستسلموا لهم، واتركوا المشاكل، واجلسوا في بيوتكم، واتركوا لهم المجال فليسيطروا وليهيمنوا وليتحكموا]، هم عندما يلحظون توجه الأمة توجهاً صادقاً وقوياً يقطع نفوذهم، وينهي آمالهم بالاستمرار في سيطرتهم على الأمة بأساليبهم الأخرى، يتجهون إلى الحرب العسكرية.
لاحظوا في واقع شعبنا اليمني، في ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، عندما لحظ الأمريكيون توجهاً سائداً في هذه الثورة يمنع نفوذهم وسيطرتهم، ألم يهربوا من صنعاء؟ ألم يهرب المارينز من صنعاء آنذاك، وهربت السفارة الأمريكية، وهرب السفير، وهرب من معهم، هربوا من صنعاء ورحلوا من صنعاء؛ لأنهم أدركوا أن هذا الواقع قد تغير عليهم، لم يعد لهم فيه أي نفوذ، ولا أي سيطرة، وأنه واقعٌ مختلف، واقعٌ يتجه اتجاهاً تحررياً بكل ما تعنيه الكلمة، قائم على أساس العبودية لله، والحرية التامة من الطاغوت، فلذلك انهزموا وهربوا، وتركوا هذه الساحة وغادروها، ولم يجرؤوا حتى على البقاء، أصبحوا أجبن من أن يواصلوا بقاءهم ، وأن يواصلوا ما كانوا عليه فيما قبل، يوم كان المسؤولون يذهبون إليهم من موقع أنهم هم الأعلى، أنهم هم أصحاب القرار، أنهم من يوجهون الإملاءات والتوجيهات، يوم كان السياسيون الكثير منهم في الأحزاب السياسية يذهبون إليهم على هذا الأساس، يتحدثون معهم عن شؤون البلد، عن واقع البلد، يتحدثون معهم في كل القضايا التي تعنينا نحن كيمنيين، وعندما يوجهنا الأمريكي في شيءٍ منها يوجهنا على أساس هدى الله؟! هل سيتحدث على ضوء تعليمات الله وتوجيهات الله؟! أولسنا شعباً يمنياً مسلماً، أولسنا يمن الإيمان والحكمة، يذهب في يمن الإيمان والحكمة المسؤولون آنذاك، وقادة الأحزاب السياسية آنذاك إلى السفير الأمريكي؛ ليقدم لهم التعليمات والتوجيهات، وقد تحصن بقوة عسكرية من المارينز أتى بها إلى صنعاء، وأصبح في موقع السيطرة والإملاءات والتوجيهات.
لكن عندما أتى هذا التوجه، ورأى واقعاً مختلفاً، هرب، وهرب معه المارينز، فلجأوا إلى ماذا؟ إلى فتح حرب عسكرية أُعلنت من واشنطن، هذا العدوان أعلن علينا من واشنطن، ما هو الهدف الرئيسي من هذا العدوان؟ السيطرة علينا كشعبٍ يمني، السيطرة علينا من جديد كما كان في الماضي في توجهاتنا، في مواقفنا، في أعمالنا، حتى يتحول الإنسان اليمني إلى مجرد إنسان خاضع وخانع للأعداء، يتقبل منهم إملاءاتهم، توجيهاتهم، تعليماتهم التي تصب لخدمتهم، ولمصالحهم هم، تكون أهم مسألة تراعى في السياسات والمواقف والتوجيهات، وكل الترتيبات في البلد في كل المجالات هي المصلحة الأمريكية، هذا الواقع الذي يراد له أن يفرض علينا، أن نكون أمةً تفرض عليها في حياتها في كل شؤونها: سياسات، وتوجهات، وإجراءات، ومواقف، لصالح الأمريكيين والإسرائيليين، لصالح الذين كفروا، ولخدمتهم، ولما يعزز نفوذهم، وهذا يدمر علينا الدين والدنيا، يمثِّل خسارةً رهيبةً علينا في حياتنا في دينٍ ودنيا؛ لأن فائدة منهج الله -سبحانه وتعالى- وفائدة سبيل الله أنه يحرر الأمة تعتز به الأمة، أنه يحقق للأمة الكرامة، أنه يصلح واقع الأمة ليس شيئاً هناك يمثل عبئاً إضافياً على الأمة لا أثر له في واقع حياتها على المستوى الإيجابي، كله لصلاح الحياة، كله من أجل أن نكون أمةً قويةً صالحةً مفلحةً فائزةً، أمةً راقيةً، أمةً عظيمةً، أمةً مهمةً، وكله لصلاح حياتنا ولمستقبلنا أيضاً عند الله -سبحانه وتعالى-؛ لأنه في الخطاب الديني، وفي المفاهيم السائدة في المجتمع، أصبح الحديث عن الدين وكأنه خطاب عن شيء ثانوي، وكأنه مجرد خطاب عن الطقوس والشعائر، الطقوس والشعائر جزء من العملية الدينية التربوية، جزءٌ لا بدَّ منه، جزءٌ مهم، ولكنه إذا فصل عن الجوانب الأخرى ذات العلاقة بالشأن الاقتصادي للأمة، والشأن السياسي للأمة، والشأن العسكري للأمة، والشأن الأمني للأمة، والشأن الاجتماعي للأمة، يفرَّغ ويصبح عديم الجدوى وفاقد الأثر؛ لأن المنهج الإلهي والهدى الذي أتى به الله -سبحانه وتعالى- الغاية منه: أن يبنينا أمةً عظيمةً حرةً تصلح حياتنا، هذه الأرض الله هو الذي خلقها، وكل ما فيها من الماديات هي من الله -سبحانه وتعالى-، والأرض وضعها للأنام، والإنسان هو مخلوقٌ من مخلوقات الله، وعبدٌ لله -سبحانه وتعالى-، والله -سبحانه وتعالى- خلق الإنسان، وخلق له هذه الحياة، وخلق هذا العالم، وقدم للإنسان أرقى وأسمى تعليمات يسير عليها في هذه الحياة، فهي أرقى وأسمى ما تصلح به حياة الإنسان، وهي التي تنسجم مع الفطرة الحقيقية لهذا الإنسان التي فطره الله عليها، ما هو أسمى ما يمكن أن يطمح إليه الإنسان في هذه الحياة؟ أليس أن يكون حراً، كريماً، عزيزاً؟ أليس هو أن يدفع عن نفسه الشر والظلم والفساد؟ فتأتي التعليمات من الله -سبحانه وتعالى- بما يصلح حياة الإنسان، والذي مثَّل طامة كبيرة علينا نحن المسلمين أنه غيِّبت من هذا الدين الجوانب ذات الأهمية الكبيرة في واقع الحياة، التي يصلح بها اقتصاد المجتمع، التي يصلح بها الواقع الاجتماعي للناس، التي يتحقق بها العدل للناس، التي يتحقق بها العزة للناس، التي يتحقق بها الكرامة للناس، ثم بقية البعض من الشعائر والطقوس، وقليل من الالتزامات الأخلاقية والدينية محدودة، فإذا بالأمة تظن وتتوهم أن هذا هو كل ما مع الإسلام وأتى به الإسلام، هذا شيء.
الشيء الآخر: يأتي البعض الآخر من الناس على أساس أنه يريد أن يكمل، فيتحرك تحت العناوين الأخرى: عنوان الجهاد في سبيل الله، وإقامة دولة إسلامية، وتحت هذه العناوين، ولكن بأي حالٍ يأتي؟ بالمصيبة الكبرى، بأسوأ عملية تشويه للدين، فيقدم سلوكيات وممارسات، ويتحرك في الساحة بكل ما يخدم الأعداء من جانبين: من جانب التشويه، كتشويه فظيع وشنيع جدًّا، بممارسات لا تمت إلى قيم الإسلام بأي صلة أبداً، بل هي معارضة كلياً للإسلام، لا تمت للإسلام بصلة، من مثل ما يفعله التكفيريون والدواعش، فيأتون تحت عنوان الشريعة الإسلامية، والجهاد في سبيل الله، والدين، والدولة الإسلامية، ولكن بممارسات وسياسات وخطورات تشوه الإسلام، ولا تمت لتعاليمه بصلة، وتخدم أعداء الأمة؛ لأن معركتهم دائماً تكون حيث تريد لهم أمريكا أن يكونوا، وحيث تريد لهم إسرائيل أن يكونوا، وهذا أمرٌ واضح، لو حاولوا في بعض الأحيان أن ينكروه، أو أن يتهموا غيرهم به، فالمسألة باتت في غاية الوضوح ومنتهى التجلي، انظروا إليهم بكل وضوح، أوليس السعودي والإماراتي على ارتباط واضح ومكشوف وعلني بأمريكا وإسرائيل، وبالتوجهات الأمريكية والإسرائيلية؟ أوليس التكفيريون على هذا النحو في هذه الساحة الإسلامية، هم على هذا النحو، فهم مرتبطون بالذين كفروا، والذين كفروا يتحركون بالفتنة في الأمة، وبالصرف للناس عن المنهج الحق، عن حقيقة تعاليم الإسلام البناءة المصلحة في واقع هذه الحياة، عن كل ما يبنينا أمةً قويةً، أمةً حضاريةً، أمةً عزيزةً، عن كل ما يبني لنا اقتصادنا، وعن كل ما يبني لنا واقعنا؛ لنكون أمةً قويةً على كل المستويات وفي كل المجالات، عن كل ما يزكي النفوس ويصلح أخلاق المجتمع، عن كل ما يساهم في تعزيز الإخوة بين أبناء المجتمع، والتعاون بين أبناء المجتمع، والحكاية تطول، الحكاية تطول كثيراً.
{فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}، (فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) تجاه بقية دسائسهم، مؤامراتهم، مكرهم، وما قد عملوه في الماضي، هو الذي سيحاسبهم على ذلك، {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ}، وإن تولوا وأصروا على المواصلة في عدوانهم، وعلى المواصلة في صدهم وبغيهم، وسياساتهم العدائية، فتوكلوا على الله، واجهوهم، جاهدوهم بكل وسائل الجهاد المشروعة على كل المستويات: عسكرياً؛ للتصدي لعدوانهم العسكري، إعلامياً؛ للتصدي لحربهم الإعلامية، اقتصادياً؛ لتخوضوا معهم المعركة الاقتصادية، اجتماعياً… وهكذا نازلوهم في كل ميدان، اتجهوا للتصدي لهم في كل مجال، واعتمدوا على الله في ذلك، فاعلموا أن الله مولاكم يتولى أموركم، يتولى النصر لكم، يتولى التأييد لكم، ولاحظوا كيف تأتي هذه: {فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ} في سياق أن تكونوا متحملين لمسؤولياتكم، وليس يترتب عليها: [فارقدوا، واجلسوا، واخنعوا، واجمدوا، واكسلوا، وافتروا، واقعدوا، ولا تعملوا شئياً، والله مولاكم سيدفع شرهم]. لا، تأتي: {فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ} في سياق تحملكم للمسؤولية، في سياق عملكم، سعيكم الدؤوب للتصدي لهم في كل المجالات، وأنتم تخوضون معهم المعركة في كل ميدان من ميادين الحياة، في كل مجال من مجالات الحياة، وأنتم تنازلونهم في الميدان العسكري بالقتال، وأنتم تنازلونهم في الميدان الاقتصادي بالخطوات والأعمال والاهتمامات، والسياسات الاقتصادية البناءة التي تفشل مؤامراتهم، التي تحولكم إلى أمةٍ منتجة، وتحسن إنتاجها، وتجيد إنتاجها، وتبني على الأمانة والإتقان في إنتاجها، التي تجعلكم أمةً عمليةً نشيطةً قويةً فاعلةً متحركةً، تستجيب لله فيما يحييها، {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}[الأنفال: من الآية24]، مولاكم ينصركم وأنتم تنازلونهم في كل الميادين والمجالات والمواقع، مولاكم ينصركم، يؤيدكم، يمنحكم عونه وتأييده، يسقط مؤامراتهم، يبطل كيدهم، يقذف الرعب في قلوبهم، {نِعْمَ الْمَوْلَى}؛ لأنه العظيم الرحيم القدير، وهو رحيمٌ بكم أنتم، وقادرٌ على نصركم، وعلى عونكم، وعلى دعمكم، وعلى مساندتكم، وعلى رعايتكم، وعلى إمدادكم، لن ينقصه شيء، لن يعجز عن شيء، لن يغفل عن شيء، لن يجهل شيئاً، وهو الحكيم في تدبيره وتوجيهه وتعليمه، {وَنِعْمَ النَّصِيرُ}، فهو نعم المولى فيما يتولاكم به من رعايته، ونعم النصير فيما ينصركم به، أنتم تعتمدون على القوي العزيز، ليس ضعيفاً، ليس عاجزاً، ليس ميزانياً، ليس ملولاً، يمكن أن يمل منكم يقول: [طالت الحرب، طالت المشكلة، إلى هنا ويكفي، كم عليَّ أن أقف إلى جانبكم]، لا، هو القوي، العزيز، المقتدر، القهار، الجبار، المهيمن، المتكبر، المتعال -جلَّ شأنه-، العلي العظيم، فهو أعظم من ينصركم، وخير من ينصركم، وخير من تعتمدون عليه لنصركم، وللحصول على النصر لن تحتاجوا إلى الالتجاء إلى جهات أخرى خارج اتجاهكم الصحيح؛ لكي تنصركم، ولكي تمدكم، ولكي تقف إلى جانبكم، يكفي أن يكون هو معكم، يكفي أن يكون هو معكم، فكونوا معه؛ حتى يكون معكم.
نكتفي بهذا المقدار…
ونسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.
والسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛