أحفاد بلال… ثورة الوعي (2)
ابراهيم الهمداني
إن ما قامت به مؤسسة بنيان في هذا المشروع قد انتج دلالة ثالثة ذات مسار إيجابي فاعل.
٣- دلالة إيحائية: قائمة على علاقة الترابط المتلازم في سياقاته: الذاتية (الانتماء والنسب اللوني)، والوظيفية (الدينية)، والوجودية (الإنسانية)، إذ ترتبط السياقات الثلاثة بعلاقة جدلية، كل طرف من أطرافها يوجب وجود الآخر، فمادمت أسود البشرة، فأنت من أحفاد الصحابي الجليل بلال بن رباح، في تموضعه الديني والتاريخي والإنساني، ومادمت من أحفاده، فذلك يقتضي أن يكون قدوة لك، ونظرا لارتباط وظيفته (مؤذن رسول الله)، بشعيرة مقدسة من صميم الدين، فذلك يوجب عليك أن يكون الدين أساس نهجك، ومرتكز منهجك في الحياة، وبما أن الدين يفترض عليك التحرك الجاد، والعمل بعد التصديق، وبما أن الدين هو السبيل الوحيد لخلاص وسعادة الإنسانية جمعاء، فذلك يعني أن معنى وجودك ومصداق إنسانيتك، لن يتحقق إلا بما ناصلت وجاهدت وضحيت في سبيل إحقاق الحق وإبطال الباطل، وبما أنجزت من مهامك التي كلفك الله تعالى بها، في ميثاق الاستخلاف البشري، من موقعك الريادي والقيادي، وليس التبعي المرتهن والمقلد الأعمى.
يمكن القول إن مؤسسة بنيان في تبنيها لهذا المشروع الرائد، تتجاوز كل مواضعات العمل التنموي السائدة، وأهدافه المألوفة، لتقدم نموذجا مغايرا في العمل التنموي، يسعى إلى إعادة الاعتبار للذات الإنسانية، وإعادة بنائها كقيمة عليا مطلقة، هي أساس الوجود، وقوام الاستخلاف الإلهي، الذي لن يتحقق إلا من خلال بناء الإنسان البناء الحقيقي، وهذه هي مهمة الأنبياء، التي حملوها في مشاريعهم التنويرية، من خلال إعادة البشرية إلى المسار الصحيح، القائم على تحقيق إنسانية الإنسان، والإعلاء من شأنه، ومساعدته في إنجاز مهمته الاستخلافية كما يجب، ومن منظور التكليف الإلهي للبشر جميعا دون تمييز.
سعت مؤسسة بنيان التنموية في مشروعها الإنساني المتفرد، إلى بناء إنسانية الإنسان، وتمكينه من القيام بدوره الريادي، من خلال استهداف بنية الوعي الجمعي دينيا وفكريا وتصوريا ثم سلوكيا، في إطار معرفي جديد، يهدف إلى:-
١- كسر النسق الفكري والثقافي الموروث، والماثل في طبيعة خطاب وتعامل وتصور الأنا المتعالية، التي تقيم وجودها وتبني مركزيتها وسلطتها، على حساب تهميش وإلغاء الآخر، مخالفة بذلك لما تزعم الالتزام به من قيم ومبادئ وأخلاق وتعاليم دينية، بما من شأنه جعل الأنا المتعالية، تبدأ بالتخلي عن تعاليها، وتعيد حساباتها وتموضعها الآني والمستقبلي، كما يتم – أيضا – في هذا النسق إعادة الاعتبار للذات المهمشة، وإقناعها بأنها كانت ضحية مؤامرات، وتخليصها من الشعور بالدونية والاستلاب والانكسار الداخلي، عبر مخاطبتها في إطار الكيان الجمعي الفتي الواحد، الذي تدل عليه كلمة (أحفاد)، ثم ربطها بمؤسس مجدها وقدوتها في الرقي والريادة، الصحابي الجليل بلال بن رباح.
٢- إعادة بناء النسق المعرفي الناظم لطبيعة العلاقة بين الأنا والآخر، من خلال إقامة الآخر – الذي كان مهمشا – في تموضع حديد، لا يمنحه ما كان يتمناه فقط من المساواة، بل يرفعه إلى مصاف الريادة، التي تتحقق بواسطة الربط العلائقي بين الماضي والحاضر، والنظر إلى ذلك الماضي، بوصفه إرثا مجيدا من الريادة، والإنحازات المشرفة في تاريخ البشرية، وإذا كان بلال بن رباح قد أصبح أيقونة الصمود، ونموذج الصدق ورمز القداسة، فإن أحفاده اليوم – وهم على ذات النهج – كفيلون بتغيير التاريخ، وصناعة أرقى النماذج الإنسانية، في معركة الصمود والتحدي، التي تستمد عزيمتها وقوتها من “أحدٌ أحد…” ، وتسلتهم بطولاتها من “لا نجوت إن نجا” ، وتحوز رفعتها وعلو شأنها ومقامها من قداسة “الله أكبر” ، وهي تدوي في الأرجاء، صلاةً وشعاراً يهدم كل ألوهية مزعومة، وتقوض كل أحلام الطغاة، وتهزم تحالفات الجبابرة.
تنطلق المؤسسة في رؤيتها لمشروع بناء الإنسان، من ذات الرؤية الإلهية الناصَّة على حقيقة التفضيل في قوله تعالى “إن أكرمكم عند الله أتقاكم” ، لتؤكد أن المهمشين من ذوي البشرة السوداء، هم جزء لا يتجرأ من نسيج المجتمع اليمني، والمجتمع الإسلامي والمجتمع الإنساني عموما، ولهم من الحقوق وعليهم من الواجبات ما لغيرهم سواء بسواء، وأنهم جزء لا يتجرأ من المسار النهضوي والحضاري، مثلما هم جزء لا يتجرأ من الكيان الوجودي العام، ولذلك وجب إنصافهم، وإسقاط وهم العنصرية والأفضلية المزعومة، وتحقيق المساواة من أجل إنجاح عملية بناء إنسانية الإنسان.