بعد 14 عامًا على عدوان تموز.. كيف تطورت قدرات المقاومة؟
الهدهد / مقالات
شارل ابي نادر
خلال الفترة الفاصلة عن حرب تموز 2006 – أربعة عشرة عامًا – تطورت قدرات المقاومة (حزب الله) بمستوى لافت في أكثر من اتجاه، باعتراف قادة ومسؤولي العدو الاسرائيلي، ومع هذا الاعتراف، أصبح مشروع مواجهة “خطر” هذه القدرات، الشغل الشاغل لتلك القيادات العدوة، خاصة أن الخطر المفترض أن يواجهه كيان العدو، لم يعد محصورًا بخسائر محدودة في المدنيين أو العسكريين أو بعض المنشآت، بل إن الخطر أصبح وجوديًا على كيان العدو بشكل شبه شامل وكامل.
هذا التطور في قدرات المقاومة، يتمثل بالخبرات والامكانيات التقنية والتكتية من جهة، وبالقدرات والأسلحة النوعية والاستراتيجة من جهة أخرى.
لناحية الخبرات والامكانيات التقنية والتكتية
شكلت الحرب في سوريا فرصة ومساحة مناسبة ومؤاتية لاكتساب الخبرات العسكرية التكتية والتقنية والقيادية لدى وحدات المقاومة، قيادات وكوادر وعناصر. وهذه الحرب لم تكن حربًا عادية، بل يمكن القول إنها من أصعب وأقسى الحروب وأكثرها شراسة، وصحيح أنها قامت ضد مجموعات ارهابية مختلفة، ولكن تبين من مسار المعارك، أن هؤلاء الارهابيين، يملكون خبرات غير بسيطة، كانوا قد اكتسبوها من دول عدة خاضوا فيها أشرس المعارك، بالاضافة لامتلاك هؤلاء الارهابيين، مروحة واسعة من الأسلحة الحديثة والمتطورة، مع استفادتهم وفي أكثر من مواجهة ضد الجيش العربي السوري ووحدات حزب الله، من دعم جوي أميركي واسع ومن معلومات استعلامية حساسة.
كل ذلك أعطى عناصر المقاومة خبرة مهمة، سيتم الاعتماد عليها حتما في أية مواجهة مرتقبة ضد العدو الاسرائيلي، في لبنان، عند اية محاولة دخول اسرائيلي الى داخل الاراضي اللبنانية، أو في الجليل المحتل، حيث من المفترض أن تنقل وحدات المقاومة المعركة عند أية مواجهة مباشرة مع العدو أو عند أي عدوان يقوم به ضد لبنان.
النقطة الأخرى التي ستكون حتمًا من النقاط الرابحة أو المؤثرة لصالح المقاومة في أية مواجهة مرتقبة ضد العدو، والتي يمكن ادخالها من ضمن الامكانيات التقنية والتكتية التي تطورت وتوسعت وأصبحت أكثر فعالية بعد 14 عامًا على حرب تموز، هي ميزة القيادة والسيطرة وادارة المعركة، والتي شكلت في الحرب الأخيرة المذكورة (تموز 2006) قيمة مضافة في معركة حزب الله، وقد ظهرت هذه الميزة في أكثر من مناورة ضمن المعركة، ومنها:
– تواكب رسالة أمين عام حزب الله، بأن البارجة العدوة ساعر5 سوف تستهدف وذلك بعبارته المشهورة “انظروا اليها الآن كيف ستحترق”، مع عملية الاستهداف التي تم تنفيذها بصاروخ متطور قبالة سواحل لبنان (26 كلم غرب الشاطىء)، وبطريقة صادمة للعدو وللصديق، أعطت صورة واضحة عن قدرة استثنائية في القيادة والسيطرة والتحكم بعمليات الاستهداف واطلاق الصورايخ النوعية، عبر أوامر مباشرة، محمية، مشفرة، ومعزولة عن تنصت العدو، رغم شبكة التشويش والرصد الضخمة التي كان ينفذها الأخير على لبنان وخاصة في المياه الاقليمية قبالة الضاحية الجنوبية لبيروت.
– متابعة اطلاق الصورايخ الى داخل عمق فلسطين المحتلة بشكل متواصل، خلال طيلة فترة الـ33 يوما من الحرب، رغم التغطية الجوية فوق العادية التي نفذتها قاذفات وطوافات ومسيرّات العدو على كامل منطقة المواجهة وانتشار وحدات المقاومة، والأهم في هذه القدرة، كان في التجاوب الدقيق والمباشر لجميع قواعد الصورايخ الثابتة أو المتحركة، والتي كانت منتشرة في كل مناطق تواجد المقاومة، مع أوامر وقف اطلاق النار أو العودة الى اطلاق النار، وذلك من خلال منظومة اتصال وقيادة وسيطرة استثنائية وغير طبيعية، في ظل حزام النار والقصف العنيف الذي كان يغطي كامل منطقة العمليات.
من هنا، واذا اعتبرنا أن ما كانت تملكه المقاومة خلال حرب تموز لناحية القيادة والسيطرة وادارة المعركة، كان على هذا المستوى من الفعالية والدقة ، فكم بالحري اليوم بعد 14 عامًا، في ظل ما حصلت عليه وامتلكته بجهد شخصي من امكانيات الكترونية وعلمية وتقنية، في وسائل وأجهزة الاتصال أو الربط أو التنسيق، أو في ظل ما حصلت عليه من امكانيات في هذا المجال من ايران الداعمة للمقاومة، والتي برهنت (ايران) في الفترة الأخيرة، عن مستوى متقدم جدًا على الصعيد العالمي في تصنيع وبرمجة وامتلاك تلك القدرات.
لناحية الأسلحة والقدرات
من الطبيعي أن مسار امتلاك وادارة الصورايخ والطائرات المسيرة والأسلحة النوعية الأخرى لدى المقاومة، قد تطور بشكل متقدم جدًا عما كان عليه خلال حرب تموز 2006، حيث اكتسب بعد 14 عامًا من الدراسات والتجارب والتحسينات المبنية على تجارب ومناورات حية، كان أيضًا الميدان السوري حقلًا مناسبًا لها، اكتسب نقلة نوعية ومتقدمة، في الفعالية وفي الدقة وفي قدرة التأثير على الأهداف الحيوية البعيدة، وحيث كان الفارق كبيرًا في مستوى تقدم تلك القدرات بين التحرير عام 2000 وحرب تموز عام 2006، (ستة اعوام)، فكم بالحري اليوم، وبعد 14 عاما عن حرب تموز 2006، بما يحمله مستوى قدرات المقاومة حاليًا، لناحية الصورايخ الدقيقة التي اعترف العدو بوجودها وبخطرها الداهم والقاتل، أو لناحية أجهزة التسديد والتوجيه والتشويش في كافة مجالات المواجهة.
وفي هذا الاطار (دقة وفعالية صورايخ وأسلحة المقاومة النوعية)، كان لكلام أمين عام حزب الله الأخير حول معادلة: “ان الامر قد انجز”، بمعنى لم نعد نحتاج لأسلحة نوعية أو لصورايخ، وقع صادم على باحثي وقادة ومسؤولي العدو، والذين لا شك، يتابعون ويكتشفون عبر استعلامهم الواسع، دقة وصوابية هذه المعادلة، الأمر الذي دفعهم لفتح معركة اعلامية وديبلوماسية واسعة للتصويب على تلك القدرات الأكيدة بخطرها الداهم عليهم.
وهكذا يمكن القول إن قدرات المقاومة بعد 14 عامًا من حرب تموز 2006، قد حققت نقلة نوعية أكيدة وثابتة، باعتراف العدو قبل الصديق، مما سوف يدفع كيان العدو حكمًا لأخذ هذا التقدم بعين الاعتبار والعمل على مواجهته، عبر الطرق السياسية والديبلوماسية والاقتصادية والاعلامية طبعًا، والاّ، وفي حال فشل تلك الطرق، لا بد وأنه سيبحث عن طريق آخر، لا يمكن بتاتًا استبعاد الحرب والعدوان عنها، الأمر الذي على المقاومة أيضًا أن تأخذه بعين الاعتبار، ومن الواضح أنها كذلك