«الأنظمة العربية تخون»…ليس هذا خبراً
الهدهد / مقالات
صلاح الدكاك
بقراءة سطحية ضحلة لمجريات الصراع، فإن المشروع الأمريكي لتصفية القضية الفلسطينية يبدو كمن يكسب، وأن هذه القضية باتت هامشاً يذوي باضطراد.
غير أن الحقيقة هي أن فلسطين باتت أكثر مما مضى مركزاً ناظماً لمجمل الصراع في الشرق العربي والإسلامي، وخيانة الأنظمة العربية لها ليست متغيراً جديداً نستدل به على أفول شمس فلسطين، فهذه الخيانة قديمة وتعود لعشرينيات القرن المنصرم.
الجديد الموضوعي الذي يُبنى عليه اليوم هو متغير تعاظم معسكر المقاومة العربية والإسلامية يماناً وشآماً وخليجاً ونهراً قوةً وقراراً وتسليحاً ومواقف جذرية من القضاياً المركزية للأمة وفي صدارتها القضية الفلسطينية.
تعكس الهزلية الإماراتية التطبيعية الأخيرة إفلاساً أمريكياً فادحاً أمام حقيقة تعاظم حضور المقاومة ذاك، فلاعب الكوتشينة يواجه يقين الخسارة الحتمية بكشف كل أوراقه لعلن الطاولة، في محاولة مرتبكة وضربة حظ يعول عليها إعادة التوازن لروافع الهيمنة الأمريكية المترنحة أمام عصف رياح المقاومة وتلافي التهديد الوجودي الذي تعيشه كبرى كياناته الوكيلة في المنطقة (الكيان الصهيوني والكيان السعودي كاختزال لبقية كيانات الكارتيل النفطي الخليجي الاستعماري).
شن التحالف الأمريكي عدوانه على اليمن بذريعة “القضاء على النفوذ الإيراني” في بلد هو الرحم الأول لعروبة كل العرب، وبعد نحو 6 أعوام من الإخفاقات الذريعة والمدوية لتحالف العدوان أدواتٍ ومديراً تنفيذياً، فإن اليمن بات بالنتيجة رقماً فارقاً في معادلة المقاومة إن لم يكن حجر زاوية.
الحرب الشاملة الاستباقية التي شنتها أمريكا لتأمين كياناتها الوكيلة في المنطقة من خطر يمني محتمل، تمخضت بالنقيض خطراً حقيقياً يومياً مباشراً يدك مداميك تلك الكيانات، وأكثر من ذلك بات الكيان الصهيوني ذاته هدفاً رسمياً في بنك أهداف استراتيجية الرد والردع اليمنية، وتصريحات سيد الثورة والقيادات السياسية والعسكرية لصنعاء في أكثر من مناسبة بهذا الخصوص، ليست مما يحتمل الأخذ على محمل التهويم والشطح، فالعدو الإسرائيلي الذي كان في كواليس تحالف العدوان أضحى في واجهته (اعتراف الكيان بشن غارات جوية على أهداف في اليمن، ولقاء قائد المنطقة الجنوبية في جيشه بمجاميع مرتزقة العدوان في الساحل الغربي مثالاً).
في المقابل، فإن فلسطين التي كانت ولاتزال في قلب أدبياتنا وثوابتنا الوطنية والقومية والدينية والإنسانية، أضحت فعلياً ناظمة لوجهة بنادقنا وخنادقنا في ميادين الاشتباك العسكري المباشر مع تحالف العدوان، وأصبح يقين شعبنا الحر أن معركتنا في مواجهة تحالف العربان هي معركة في مواجهة الكيان العبري، لا كمجاز، بل كحقيقة موضوعية من حقائق تجربة سداسية الصمود الفذ.
ربما أراد ترامب ونتنياهو تأمين ورقة عبور رابحة لدورات رئاسية أخرى من خلال ترسيم علني لعلاقات الإمارات بالكيان الصهيوني، لكن هذا الترسيم السامج يشير إلى جوهر أزمة بنيوية وجودية يعيشها مركز الهيمنة الأمريكية الكونية المنحسر وكيانه السرطاني المستزرع في فلسطين المحتلة.. أزمة أعقد بكثير من أزمة انتخابية داخلية عابرة.
إن الهروب الصهيوني للاستدفاء بأحضان محظياته العتيقات علناً لن تمنحه الأمان المنشود، لكنها سترسم تماسات جيوعسكرية سياسية واضحة وجلية للحرب الفاصلة بيننا وبينه كانت ملتبسة وغائمة ومطمورة خلف أقنعة عربانية وإسلاموية بهلوانية زائفة تتساقط متهرئة اليوم في مهب صرصر عنفوان المقاومة وفاروق مشروعها ومواقفها الجذرية المستعصية على أنصاف المقاربات للصراع ومنطق المداهنة مقابل المداهنة الجاهلي.
إن مشتركاتنا القيمية القومية والدينية والإنسانية مع الشعوب والبلدان المناهضة للهيمنة الصهيوأمريكية تتمظهر أكثر فأكثر في مسرح الاشتباك الفسيح من اليمن إلى فلسطين إلى العراق إلى سوريا ولبنان، في صورة حرب واحدة متعددة المعارك تخوضها أمة واحدة موحدة في مواجهة عدو واحد لم تعد – بل لم تكن – تواربه المسميات المخاتلة واللافتات الحربائية عن أعين شعبنا اليمني الشريف وشعوب أمتنا العربية والإسلامية الحرة، قبل وبعد حفلة التعري الإماراتي الصهيونية العلنية.
وسواء سقط ترامب أو نتنياهو انتخابياً أو استمرا لدورة أخرى مقبلة، فإن الأزمة الوجودية للصهيوأمريكية لن تنتهي بسقوطهما، ولكنها ستستفحل بتجديد ولايتيهما، وأما جغرافيا غليان المقاومة الواسعة فستزداد غلياناً واتساعاً إلى اليوم الذي تبحث فيه أمريكا عن شبر تراب آمن تضع قدمها عليه في منطقتنا، فلا تجد إلا هاوية إثر هاوية بامتداد التراب العربي والإسلامي.