في قيفة سقط الجدار
الهدهد / مقالات
سند الصيادي
بسقوط معسكرات تنظيمي القاعدة وداعش في قيقه، سقط واحدٌ من أهم معاقل التنظيمين في الجزيرة العربية، بحسب ما كانت تسوّق له الرواية الأمريكية وَمن خلفها قطيع كبير من قنوات التبعية والدجل الإعلامي الخليجي، وَالتي لطالما احتفت على طريقتها بتنامي حضور هذه التنظيمات في بلادنا، وَلطالما كانت تفزعنا والشارعَ اليمني بهذا النشاط المخيف الذي لا يعرف مصدر تمويله ولا تعبئته ولا يفهم أسباب فشل محاربته بل انعدام النوايا لذلك، حتى أصبح كابوساً لا يقض مضاجع المواطن اليمني وحسب، وإنما كافة منتسبي المؤسّستين الأمنية والعسكرية وَالشخصيات السياسية والإعلامية التي تتحدث عنه وعن جرائمه الوحشية، أَو تسعى إلى تفنيد وَكشف مَنْ وراءه من أطراف.
وأنا أتابع الإيجاز الصحفي للقوات المسلحة حول تفاصيل عملية تطهير قيفة بالبيضاء، وَما تضمنه من مشاهدَ مهمة لمجريات العمليات، كانت تتوارد إلى ذهني الصور المأساوية المتلاحقة التي أحدثتها هذه التنظيمات في ربوع الوطن خلال العقود الماضية، ولطالما حرصت على توثيقها بالصوت والصورة، سلسلة طويلة من عمليات المهاجمة لثكنات الجيش والأمن في معظم محافظات اليمن والتنكيل بمنتسبيها بالقتل والذبح، جماعات وأفراداً، وبطرق وأساليب لم نكن نشاهدها إلَّا في أفلام الرعب التي تنتجها السينما الأمريكية.
ولن تنسى الذاكرةُ الشعبيّة اليمنية تلك التفجيرات الوحشية التي حدثت في جموع المصلين بجامعي بدر والحشوش وَحشود المتظاهرين في ميدان التحرير، وعروض الحفل العسكري في ميدان السبعين، وَفضيحة اقتحام وزارة الدفاع وَمآسي مستشفى العرضي وَاقتحام السجن المركزي، ناهيك عن مسلسل الاغتيالات الطويل الذي خيّم على العاصمة صنعاء وبعض المحافظات واستهدف خيرة رجال الفكر والسياسة، فيما كان يقابل كُـلّ ذلك النزف الذي حدث للدماء اليمنية وَلسمعة الدولة، بموقف رسمي محصور في بيانات الإدانة وَما تيسر من عبارات التهديد والوعيد التي لا تتجاوز الورق التي كتبت عليه.
ولا غرابة، فإذا ما نظرنا إلى واقعنا السياسي والسيادي آنذاك والغارق في فوضى حكم السفارات وَابتذال الأدوات الداخلية في سباقها لنيل الود الإقليمي والغربي، سنفهم كيف تمكّنت تلك التنظيمات الإرهابية الممولة غربياً في تنفيذ عملياتها الإجرامية دون ردع أَو ملاحقة، فمن يوجه السلطة الحاكمة هو ذاته الذي يوجه الجماعة الإرهابية ويمنحها الغطاء الذي يخدم أجندته الخبيثة.
وفي هذا الموقف، تعود بنا الذاكرةُ إلى السيد الشهيد حسين الحوثي وإلى بيان صوته الذي سبق الجميع في كشف الحقيقة قبل عقدين من الآن، بقولها صريحة دون خوف أَو وجل، وَبرؤية قرآنية عميقة وثاقبة النظرة “القاعدة صناعة أمريكية”.
واليوم وبعد سقوط الوصاية الغربية، واستعادة القرار، وتساقط نفوذ وَأدوات الارتهان للخارج على الأقل من أجزاء واسعة في الخارطة اليمنية، ها هي القاعدة وداعش كصنيعتين لذلك الواقع، تسقطان في مشهد وثقته الذاكرة اليمنية كرسالة وعي تقدمها لكل شعوب العالم التي ترزح تحت براثن الهيمنة الخارجية.
ومن تابع مشاهدَ الاقتحامات التي قام بها رجال الجيش واللجان على معسكراتهم وَأوكارهم لدرجة المواجهة المباشرة معهم من مسافة متر، وإمْكَان الجيش منهم قتلاً وأسراً، سيعرف مدى العقيدة الإيمانية والقتالية الصلبة التي يتحلون بها رجال جيشنا ولجاننا، في المقابل تنهار فوبيا هذه الجماعات الإرهابية المصطنعة، فيما أفرادها يولون الأدبار مرعوبين من وطيس الحرب وَبسالة المؤمنين الصادقين مع ربهم ودينهم وشعبهم.
وَمع هذا السقوط المدوي لهذه التنظيمات في البيضاء، سقط الجدارُ الذي بنته الولايات المتحدة وَأدواتها في المنطقة، وَالذي كان يحول بين الحقيقة وَالوعي الجمعي، وَيمنعه من تبيان ملامحها دون ضجيج إعلامي وسياسي مظلل، وباءت في لحظة صدق مع الله كُـلُّ جهود وَمخطّطات المشروع الإجرامي الخبيث بالفشل والفضيحة، فمهما عظمت المكائد الشيطانية تبقى ضعيفة وَأوهنَ من بيوت العنكبوت أمام غلبة الحق وَصدق رجاله.