الشرارة الأولى لثورة الـ 21 من سبتمبر وبداية تحَرّك مسارها العسكري
الهدهد / مقالات
منير الشامي
كان الهدف الأول الذي حقّقته ثورة 11 فبراير، أنها ألغت الوفاق والانسجام بين طرفي العمالة والخيانة (الرسمية، والقبلية) لعدوِّ الوطن الخارجي وأدوات وصايته عليه، وجعلت كُـلًّا منهما يحاول أن يقصيَ الطرف الآخر ليكون العميل الحصري والخائن الوحيد للعدو الخارجي والخادم المخلص له في تعزيز وصايته وتثبيت أركانه على الوطن، وتنافس الطرفان على السقوط والارتهان وقدم كلٌّ منهما عروضه، في تنافس هو الأول من نوعه في تاريخ البشرية لبيع ما تبقّى لهم من بقايا عزة وكرامة، وهو ما شهدت به مواقفهما المعلنة وتصريحاتهما الموثقة، وأكّـدته الأحداث وأفرزته الوقائع، هذا التنافس جعل أعداء اليمن محتارين في اختيار الطرف المناسب، وجعلهم يدركون أنهم إن اختاروا طرفاً فسيخسرون الطرف الآخر وينقلب عليهم، ما يعني أن مصلحتهم لن تتحقّق إلا ببقاء الطرفين في مستنقع العمالة لهم والخيانة لوطنهم أرضاً وإنساناً، وهذا هو الهدف الأساسي من مؤامرة “المبادرة الخليجية”.
وفعلاً استطاعوا بتلك المؤامرة إعادة الطرفين إلى نوع من التوافق، ونجحوا في رأب الصدع بينهما وأخرجوهما من مأزق العداوة الناتجة عن سباقهما التنافسي في بيع الوطن والتنازل عن سيادته ومقدّراته الذي خاضه الطرفان، وبالتوقيع على تلك المبادرة نجح أعداء اليمن في إعادتهما إلى حضيرة العمالة لهم وأخلت مكوناتها إمْكَانها في ساحات الثورة والاعتصام.
وَلم يتبقَّ فيها غيرُ مكون أنصار الله؛ لأَنَّه المكون الوحيد الذي لم ينثنِ لهم، ولم يلن أمام كافة محاولات أعداء الوطن، ورفض التنازل لهم عن سيادة وطنه، وحقوق شعبه على أرضه، ولم يجدِ معه ترغيب ولا أثنى عزيمته ترهيب، الأمر الذي جعلهم يعلمون علم اليقين أن التخلص من مكون أنصار الله والقضاء عليه هو الخيار الوحيد أمامهم وإن كان مكلفاً، واتّجهوا من ساعته وحينه لوضع مخطّطات إجرامية ومؤامرات عدوانية كثيرة للتخلص منه وبكل الطرق، إلا أنها جميعاً تبلورت في مرحلتين هما:-
المرحلة الأولى:- مرحلة إضعاف مكون أنصار الله عبر الاغتيالات لناشطيه ورموزه، والتفجيرات الإرهابية لأتباعه وأنصاره والحرب الإعلامية عليه وغير ذلك، وقد استمرت هذه المرحلة من منتصف العام 2011 وحتى 2014م.
المرحلة الثانية:- ويبدأ فيها تنفيذُ مرحلة الإجهاز على مكون أنصار الله والقضاء عليه بعد التأكّـد من نجاح مرحلة إضعافه، ما يعني أن هذه المرحلة تتطلب تجهيزاً دقيقاً وإعداداً متقناً وتوفيراً كاملاً لكل متطلبات المرحلة من قوات إرهابية (بشكل غير رسمي) وقوات نظامية (بشكل رسمي) عن طريق حزب الإصلاح الشريك في السلطة وتمكينه من السيطرة على أسلحة الجيش وإنشاء معسكرات جديدة له خلال مرحلة الهيكلة إلى جانب القوات العسكرية التابعة له من الماضي كالفرقة وما إليها، وَالدليل على ذلك أن الفرقة بكل مكوناتها لم تدخل ضمن برنامج الهيكلة للجيش، واستمر تجهيز هذه المرحلة حتى عام 2014م، ونتيجة لفشلهم في هذه المرحلة ألحقوا تجهيزاتها من 2015م بقوات العدوان، وما زالت في صفهم حتى اليوم.
كانت الخطوة الأولى من المرحلة الثانية في مؤامرتهم للقضاء على أنصار الله تحديد ذريعة مناسبة ومقبولة لشرعنة الحرب على صعدة لتكون جاهزة في الوقت المحدّد، فكان المركز الوهَّـابي بدماج ضالتهم المنشودة لتحقيق ذلك، وبدأوا باستجلاب المئات من قوى الإرهاب من مختلف أنحاء العالم إلى معسكرات تدريبية بدماج وأمدوها بمختلف الإمْكَانيات.
أما الخطوة الثانية فتمثّلت بتجهيز القوة الكافية لتنفيذ ضربة خاطفة وسريعة تمسح وجود أنصار الله وقيادتها من صعدة إلى الأبد، إلى جانب قوات الإرهاب في دماج، وتوزيع هذه القوة بشكل طوق على صعدة، وبدأوا ذلك بتشكيل قوات إخوانية وإرهابية ذات طابع قبلي في كُـلٍّ من كتاف ومناطق أُخرى في صعدة أَو قريبة منها كعمران وأرحب وبعض مناطق محافظة صنعاء، إضافةً إلى القوات النظامية التابعة لهم وللفرقة في معسكرات بصعدة وعمران وصنعاء، بحيث تشكل هذه القوات في مجملها قوةً ضاربةً تتحَرّك في ساعة الصفر للانقضاض على صعدة وتقضي على قلعة أنصار الله وقيادتهم وكل من فيها منهم، وبعد ذلك فإن المتواجدين من أنصار الله في بقية المناطق لن يشكلوا أية خطورة وسيتم تعقبهم والقضاء عليهم بسهولة حتى داخل بيوتهم.
أدرك السيد العلم قائد الثورة -يحفظه الله ويرعاه- هذ المخطّط الإجرامي الذي يتم تجهيزه وإعداده بهدوء تام، ولم تنجح قوى التآمر في صرف نظره أَو إشغاله عن هذه المؤامرة بمؤامراتهم الأخرى التي لم تتوقف في استهداف كوادر ورموز الحركة وناشطي المسيرة وأنصارها في العاصمة صنعاء والمناطق المحيطة بها وفي عمران وحتى في صعدة نفسها، وفي كُـلِّ منطقة يكون لهم وجود فيها بجرائم الاغتيالات وبالعمليات الإرهابية المختلفة، سواءً بزرع العبوات الناسفة أو الأحزمة التي يحملها الانتحاريون أَو غير ذلك.
وكَشَفَ المؤامرة وخطواتِ تنفيذها منذ وقت مبكر جِـدًّا، وبدأ في التصدي لها وفق خطة محكمة كانت خطوتها الأولى القضاءَ على ذريعة الحرب للمتآمرين، قبل أن ينتهوا من إكمال ترتيباتهم، فكانت ضربته الأولى ضربة مفاجأة لهم لم يتوقعوها وقوية بما يكفي لإرباكهم وشل حركتهم وإعاقتهم عن استكمال الترتيبات، وكانت كما يقولون “ضربة معلم” بكل ما تعنيه الكلمة.
وقد تمثّلت تلك الضربة بالقضاء على تواجد قوى الإرهاب الأجنبية المستجلبة إلى دماج، بعد أن تضاعفت وتيرةُ الاعتداءات المتكرّرة من قبل تلك العناصر على المواطنين، فتم تحَرّك رجال الله أكتوبر 2013م وفرضوا الحصار على دماج قبل اكتمال جهوزيتهم، وطالب بخروج جميع العناصر الخارجية المستجلبة فقط دون اليمنيين منهم فلهم حرية البقاء في دماج من أية محافظة كانوا، ولهم الأمان الكامل وحرية معتقدهم وممارسة كافة أنشطتهم في مركز دماج.
مَثّل ذلك التحَرّكُ الإجباريُّ لقوات أنصار الله نحو دماج الخطوة الأولى لتحَرّك المسار الثوري العسكري، واستمرت الأحداث في دماج إلى مطلع يناير 2014م، حيث تم توقيع اتّفاق بين الطرفين أول يناير قضى بالتعايش السلمي بين جماعة السلفيين في دماج والاحترام المتبادل، وعلى حرية ممارسة المعتقد وعدم اعتداء أي طرف على الآخر، وبإخراج كافة العناصر الإرهابية الأجنبية من دماج وعدم استجلابها مستقبلاً إلا أن الأطراف الخارجية التي كانت تقف خلف جماعة السلفيين بدماج استاءت من ذلك الاتّفاق، ودفعت بهم للخروج جميعاً من دماج؛ بهَدفِ اتّهام أنصار الله زيفاً ودجلاً بإخراجهم وبعدم قبولهم بالتعايش مع من خالفهم، وهو ما نفّذوه عبر حملة إعلامية شعواء على مستوى العالم، إلا أنهم لم يجنوا منها شيئاً، فالحق أبلج والباطل لجلج، وبعد ذلك مباشرة أشعلوا فتيل الفتنة في كتاف، مما جعل أنصار الله يتحَرّكوا مجبرين لوأدها، وكلما أُخمدت فتنة أَشعلت قوى العمالة فتنة في منطقة أُخرى في محاولات استدراج لأنصار الله للقضاء عليهم دون أن يدركوا أنهم بأعمالهم الإجرامية إنما يهيئون الأسباب لتطهير أرض اليمن من رجسهم وأوكارهم المستحدثة ومن أركان العمالة القبلية والرسمية والعسكرية وعتاولة الإرهاب، بدءاً من دماج ومُرورًا بكتاف وعمران وانتهاءً بمقر الفرقة الأولى في أمانة العاصمة، وكان عاقبة مكرهم أن كانوا سبباً في رسم مسار التحَرّك الثوري العسكري لأنصار الله، ليلتحم بالمسار الثوري السلمي في ساحات الاعتصام صبيحة الـ 21 من سبتمبر 2014م، ليكون ذلك اليوم يوم ميلاد ثورتنا المباركة.