النباء اليقين

بعد زوال الرماد.. اتّضحت الصورة

الهدهد / مقالات

سند الصيادي

عزّزت الوثائقُ التي كشفها ناطقُ القوات المسلحة اليمنية حولَ علاقة النظام السابق بالكيان الصهيوني، من حقيقةِ أن ثورةَ الحادي والعشرين من سبتمبر كانت ضرورة دينية ووَطنية وَأخلاقية جاءت في توقيت مناسب وَحساس وَخطير، وَبقدر ما جلبته هذه الثورة من فوائد قصوى تعزز طموحات التصحيح للمسار الإداري والاقتصادي وَالبنيوي للدولة اليمنية وَمعالجة كافة الأزمات والقضايا المجتمعية، فإنها أعادت تصويبَ المسار السياسي الخارجي للبلد إلى الطريق الذي يتوافق مع تاريخه وَهُويته، وَيتناغم مع مشاعر وَقناعات ومواقف كُـلّ أبناء الوطن بمختلف انتماءاتهم وَتوجّـهاتهم السياسية.

كما أجابت هذه الوثائقُ على الكثيرِ من التساؤلات حول طبيعة التحَرّكات الصهيونية السرية وَأشكالها، وهي تساؤلات لطالما قفزت إلى أذهان من يقرأ أجندة وأبعاد المخطّط وَمساعيه، للسيطرة الكلية على المنطقة العربية، وَيستوعب الأهميّة البالغة لليمن في المشروع الصهيوأمريكي، كجغرافيا وَشعب وَموقع استراتيجي، والذي لا يمكن أن يكون هامشاً في هذا الصراع، أَو بعيدًا عنه هذه التحَرّكات الحثيثة التي يقوم بها هذا الكيانُ الطارئُ على المنطقة.

وبالنظر إلى ما كان قائماً عليه هرمُ النظام السابق في البلاد من نهج وَسلوكيات زادت من اتّساع الفجوة بينه وبين شعبه، وَضاعفت حالة الوهن البنيوي في مؤسّساته، وَعلى رأسها الأمنية والعسكرية، ناهيك عن غرق مكوناته في أتون الفساد وَصراع الأجنحة وَسباق الولاءات لأطراف خارجية إقليمية ودولية، يمكننا التنبؤُ المسبقُ بطبيعة هذه العلاقة التي كانت تمضي في خطى متصاعدة، مع فقدان هذا النظام البوصلةَ وَمقوماتِ المشروع المناوئ لها ماديًّا وَمعنويًّا.

لقد حرص النظامُ السياسيُّ في ذلك الوقت على أن يحيط هذه التحَرّكات المشبوهة وَتعاطيه المتجاوب معها بالسرية التامة، وَتناغم هذا الحرصُ مع الرغبة الصهيوأمريكية في إدارة الملف خلف الكواليس؛ تحسّباً لردود الفعل الرافضة، وزيادة في ذر الرماد على العيون، ترك العدوُّ لذلك النظام متّسعاً في التعبير الإعلامي عن قوميته وَحماسية لهجته عن القضايا القومية في مؤتمرات وقمم ما تسمّى بالجامعة العربية، والتي لطالما كانت تؤثر في عاطفة الشارع اليمني الذي لطالما غلّب قضايا الأُمَّــة على قضاياه الداخلية وَأزماته المتفاقمة التي كان يصنعها ذاتُ النظام.

وَبالتأمل في تلك التحَرّكات التي كانت تحدث وعبّرت عنها الوثائق، وَقبلها حالة الرضوخ الكلي للقرار الأمريكي وَإملاءات سفارتها في صنعاء، نجد أن النظامَ السياسيَّ في البلد كان يمضي بخُطَىً متصاعدة في هذا السياق التطبيعي المهين، والحالة المخزية والمؤسفة التي بات يتبجح فيها الكثيرُ من الأنظمة العميلة بإعلان علاقاتهم الكاملة بالكيان الصهيوني.

كما كانت تلك المواقف كافيةً لإطلاق رصاصة الرحمة على خاصرة القضية وأقوى مفاصلها الحيوية، اليمن الذي كان سيتبوأُ اسمُه الاستراتيجيُّ الهامُّ وَالمؤثرُ قائمةَ الأنظمة المطبعة التي يباهي باختراقها كلٌّ من نتنياهو وَترامب، وجرجرتها إلى حفلة الرقص الماجن، احتفاءً ببيع القضية وَإنكاء جروح الأُمَّــة ونزف أرضها ومقدساتها.

هكذا كان الوضع إليه يمضي، لولا أن الإرادَة الإلهية التي جسّدتها الثورة الشعبيّة مثلت نقطة التحول التي لم تكن في الحسبان، والحقيقة أنه لم يكن استنفار رئيس وزراء الكيان الصهيوني عقب نجاح ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، وخروجه للحديث عن الخطر القادم من اليمن، إلَّا تعبيراً عن خوف من واقع مغاير سيعصف بكلِّ ما كان حادثاً وَما كان سيحدث.

نعرّج في هذا السياق على مقولة سبقت ظهور كُـلّ هذه الوثائق التي جاءت تعزيزاً لمصداقيتها، وفيها حذّر السيدُ القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي مبكراً بأن من يقبل بأمريكا سيقبل بإسرائيل، شواهد أثبتها الواقعُ ولو بعد حين، شواهد عزّزت حالةَ الصحوة والإفاقة من الغيبوبة التي كانت تحول دون معرفة واقع أنظمة فاقدة للهُوية، وللضمير العروبي والإسلامي، ما فتأت تبيع وتشتري بدون أدنى التفاتة أَو حتى جلدٍ للذات إلى ما يمثله هذا الموقف من خيانة للكينونة العربية والإسلامية وَلكل القيم الفضلى التي تمثّل رأسَ مالِ البشرية في صراعها الوجودي الذي تفرضه هُوياتها وَمصالحُها وَسننُ التدافع والتمحيص الإلهي.