المهرة بؤرة النار الباردة
الهدهد / مقالات
صلاح الدكاك
لم تعلق مسقط على زيارة السفير الأمريكي للمهرة، ولا على خبر استهداف سفينة بريطانية قبالة نشطون بالمحافظة الحدودية، ولا على أنباء سابقة عن نشاط عسكري صهيوني في سقطرى.
فهل أعارت مسقط لسانها للحراك المهري؟! أم أن حضور لندن مفيد لكبح «أبوظبي -الرياض»بنظرهـا؟!
تنهج سلطنة عمان ما يمكن تسميته سياسة الجمع بين النقائض، مع «النأي عن صراع المحاور»وعلاقتها بالكيان الصهيوني تتجاور مع علاقتها بإيران ولا تقوم على أنقاضها، وكذلك بالنسبة لعلاقتها بصنعاء وعلاقتها بدول تحالف العدوان. سياسة كهذه تصطدم اليوم بالكثير من المحكات التي تهدد قدرة مسقط على المضي فيها على المدى الزمني المنظور مستقبلاً دون المقامرة بكفة لجهة الاحتفاظ بأخرى.
ويمثل مشهد الصراع في اليمن أحد أبرز هذه المحكات. وتتبدى المهرة، المحافظة اليمنية المتاخمة للسلطنة والمتواشجة اجتماعياً مع محافظاتها الغربية، بؤرة نار تتعاظم بصمت وهدوء.
هذا الصمت والهدوء الذي يكتنف نشاط الثالوث الاستعماري البريطاني الأمريكي الصهيوني يشي بأن المهرة هي حجر التوازن في رهان المدير التنفيذي الغربي لتحالف العدوان والاحتلال، لجهة استنقاذ مساره الخائب شمالاً .
وفي الساحل الغربي حيث مثلث باب المندب الحديدة وفي الوسط حيث باتت مأرب قاب قوسين من الانعتاق، كما والإمساك بخناق إيران المائي (هرمز) عبر هذه النقطة البرمائية الناتئة بين اليمن وعمان والشبيهة بلسان مزمار يمكنه باعتقاد المدير التنفيذي تعويض العجز الفادح للتحالف عن تأمين سيطرة جغرافية مريحة في اليمن بفعل ضراوة الصمود اليمني بقيادة صنعاء وحصاد الذل الذي منيت به واشنطن ـ لندن في «حرب الناقلات»مع طهران.
لم تكن عُمان لتفسح منصة مباشرة على أراضيها في صراع الغرب الإمبريالي البارد أو الساخن مع إيران. ومن هنا تتجلى المهرة كخيار وسط تحتفظ معه مسقط بزمام سياسة تجاور العلاقات بين النقائض دون الاصطدام بطرف من أطرافها. فهي إذ تبدي «كرماً إنسانياً»في التعاطي مع صنعاء وتتيح لها ترانزيت شبه دائم لحركة ونشاط دبلوماسيينا واتصالهم بالعالم، لا تذهب في صدامها البارد هذا مع دول التحالف حد كسر حصار الأخيرة الجوي لصنعاء وتلتزم به حرفياً كالحال في قضية «إغلاق الأجواء أمام وفدنا الدبلوماسي لدى عودته من مشاورات الكويت 2016». لا شك أن اليمنيين الشرفاء يدينون لعمان بهذا الهامش من الكرم والمبادرة ويثمنونه رفيعاً، إلا أن هذا التعاطي العماني شديد الحذر والتحوط لا يسهم فقط في خنق السيادة اليمنية من بوابة سلطنة غير منضوية في التحالف، بل يمثل كذلك خطراً وشيكاً على السلطنة التي ستجد نفسها يوماً غير بعيد هدفاً مباشراً لتداعيات النشاط الاستعماري الغربي الصهيوني الوهابي المتفشي كسرطان على تخومها الغربية، فلا ينفع النأي بالنفس ولا الحياد السلبي.
إن مسقط متهمة في نظر مراقبين بالمسؤولية عن مراوحة الحراك المهري بين قوسي التهديد والوعيد لتحالف الاحتلال دون ترجمة ذلك إلى طور عملي من كفاح ثوري مسلح يثمن هذا الحضور اليمني المهري المناهض للاحتلال وازناً. إن منطق الاشتباك ومسرحه الراهن وطبيعة علاقة مجتمعات الحدود اليمنية مع الجوار الخليجي في زمن سلطة الوصاية تدعم فرضية التدخل العماني في كبح حركة الحراك صوب أطوار عملية تتجاوز الاعتصام وإطلاق البيانات إلى لعلعة طلقة الكفاح المسلح الأولى. وإذا ما صحت هذه الفرضية فإن مسقط لن تكون قد فعلت أكثر من السعودية في تدجين واستقطاب وصناعة رموز ووجاهات على تخومها من جهة اليمن يدينون لها بالولاء ضد مصالح بلدهم وشعبهم، وقد برهنت 6 أعوام من ملحمة الصمود والمواجهة اليمنية خيبة الرياض الذريعة في الانتفاع من تلك الدمى المذعنة على مستوى تعبيد صنعاء الثورة مجدداً وارتداد هذه الخيبة خطراً متنامياً في عمق المملكة يهدد بتقويض هيمنتها على مساحات شاسعة في جنوبها عدا عن انكشاف الرياض ذاتها لضربات صنعاء المرتدة والمنذرة بتهاوي اقتصاد الدولة الخليجية الكبرى في حال استمرار العدوان والرهان الخائب على تعبيد القرار اليمني للملكة مجدداً.
يجدر بسلطنة عمان ـ إذن- عدم الإقدام على تكبيل تطور الحراك المناهض للاحتلال في المهرة اليمنية وفقاً لسياسة اللاانحياز واللاحياد التي تحكم علاقاتها بالصراع وأطرافه، فهذا سيرتد وخيماً عليها، لأن دوافع شرفاء شعبنا في المهرة للثورة على الاحتلال هي دوافع موضوعية تتراكم وتحتقن منذرة بالانفجار غير القابل للكبح والمراوحة في النقطة صفر.
وإذا ما انفجر فإنه سيطيح بالأدوات المكبلة له، وفي صدارتها رموز الحراك ذاتهم الذين يتموضعون في صدارته بغية احتوائه، كما حدث مع قوى السلطة التي تموضعت ثورياً لاحتواء الثورة عام 2011 واستفرغتها لاحقاً في مبادرة الخيانة الشهيرة، لتجد نفسها أمام مد شعبي جارف في 2014 أطاح بها ويطيح بأربابها اليوم تحالفاً وظهيراً دولياً غربياً.
إننا نكن لشعبنا في سلطنة عمان كل الحب، ولقيادته التوقير، ولا نستشرف أفق الصراع وخيارات مسقط فيه إلا بسطاً نصوحاً يعين صانعي القرار في السلطنة على تلافي مآلاته السلبية سلفاً، فاليمنيون لن يقفوا عند حدود التحرير الوطني، بل سيرسخون في قلب معادلة الوجود على أنقاض الكيان الصهيوني وكيانات الغرب الوظيفية المتموضعة في المنطقة بلبوس عربية كممرات لمشروع الهيمنة الصهيوأمريكية.