التشوهات في الجراحي جرس إنذار عن كارثة نووية
الهدهد / مقالات
منير الشامي
ظاهرة التشوهات الخَلْقَية التي لوحظ تفشيها في أطفال مدينة الجراحي الساحلية بمحافظة الحديدة قد تبدو ظاهرة غريبة للوهلة الأولى، فهي أول ظاهرة تحدث في بلادنا اليمن بهذا الشكل، وهو ما يؤكّـد أنها ليست ظاهرة طبيعية، فالتشوهات الخلقية التي تصيب الأطفال بصورة طبيعية معلومة ونادرة وتحدث لأسباب معروفة قد تكون أسبابا وراثية، كزواج الأقارب؛ أَو بسَببِ تماثل الجينات الوراثية بين زوجين ليست بينهما صلة قرابة؛ أَو بسَببِ أمراض الدم أَو لتعرض الجنين لمؤثرات أُخرى أثناء الحمل كتناول الأم لعقاقير محظورة على الحامل أَو نتيجةً لتعرّضها لإشعاعات لسببٍ ما، ومع ذلك تبقى التشوهات الخلقية الطبيعية نادرة الحدوث وتظهر في حالات محدودة، أما تفشي التشوهات الخلقية الحاصل في الجراحي بهذه الصورة وتباين حالات التشوهات فذلك يؤكّـد أنها ليست طبيعية وأنها ناتجة عن أسباب غير طبيعية أوجدها الإنسان.
ومع أنه لا يمكن تحديدُ السبب الحقيقي لهذه الكارثة بدقة، إلّا أنَّ أنواعَ حالات التشوه التي كشف عنها تشير إشارة واضحة إلى أن تلك التشوهات ناتجة عن تعرض الأجنة إلى إشعاعات نووية تصدر من مخلفات نووية وضعت بأية طريقة في مكان أَو عدة أماكن في المدينة، ووصول هذه المخلفات المشعة إلى الجراحي لن يخرج عن واحد من الاحتمالات التالية:-
1- الاحتمال الأول: أن هذه المخلفات المشعة دُفنت قبل فترة في مدينة الجراحي أَو بالقرب منها، خُصُوصاً وهناك أخبار تم تداولها تفيد بأن النظام الأمريكي دفن مخلفات نووية في عهد النظام السابق وبموافقة المجرم عفاش وترحيبه، بعد ذلك تعرّضت مواقع دفنها إلى تعرية طبيعية؛ بسَببِ التوسع العمراني أَو متعمدة بقصف العدوان للمواقع المدفونة فيها تلك المخلفات لتعريتها؛ كون نطاق الإشعاع يتوقف على نسبة التلوث الإشعاعي في تلك المخلفات، وكلما كانت قريبة من سطح الأرض تزايدت قوة إشعاعها.
2- الاحتمال الثاني: أن تحالف العدوان قصف الجراحي بأسلحة ملوثة بالإشعاعات، وهذا الأمر لا يستبعد.
3- الاحتمال الثالث: أنه تم إدخَال أدوات معدنية صغيرة طبية أَو تجارية مشعة عبر المنظمات أَو عبر استهداف العدوان، خُصُوصاً وبإمْكَان قطع معدنية صغيرة إنتاج مثل هذه الكارثة، وفي هذه الحالة يجب أخذ الحيطة والقيام بمسح كافة المناطق التي قصفها طيران العدوان وقد يرتكب العدوان مثلَ هذه الجرائم عبر قصف الطيران أَو عبر قذائف المدفعية وذخائر الرشاشات المتوسطة والخفيفة فرصاصة كلاشنكوف واحدة ملوثة بالإشعاع تكفي لإنتاج ضعف كارثة الجراحي.
هذه الكارثة تفرض علينا تساؤلات ملحة كثيرة أهمُّها: مَـا هو أول عمل يجب على الأجهزة المختصة القيام به وعلى وجه السرعة؟ وما هي الإجراءات التي تلي ذلك؟ وهل لدينا تقنية الكشف عن هذه المخلفات؟
والحقيقة أن أول عمل يجب على الجهات المختصة بالدولة القيام به، هو إجلاءُ السكان من المنطقة الموبوءة وبأسرع وقت، وَإذَا تبين أن الإصابات منتشرة بجميع أحياء المدينة، فالواجب إجلاء سكان المدينة بالكامل، وعدم تأخير ذلك إطلاقا.
يلي ذلك البحثُ عن الأماكن التي تتواجد فيها تلك المخلفات المشعة، فإذا كانت تقنية الكشف متوفرة بالكامل (أجهزة الكشف عن الإشعاعات والملابس الواقية من الإشعاعات)، فيجب التحَرّك فورًا بعد إخلاء المدينة، لمسح كُـلّ أحياء المدينة وضواحيها، وَإذَا لم تكن متوفرة فيجب توفيرُها بأقصى سرعة، والتحَرّك للمسح فورًا.
بعد إكمالِ عملية المسح للمنطقة الموبوءة وضواحيها، سيتم معرفة إن كانت متواجدة في موقع واحد أَو عدة مواقع، كما سيتم معرفة نسبة إشعاعها وحجم المخلفات، وبالتالي يتم دراسة كيفية التخلص منها وتحديد أُسلُـوب التخلص منها طبقا للمعلومات الكاملة منها.
فهذه كارثة خطيرة جِـدًّا لا ينبغي إهمالُها أَو تأخيرها إطلاقا، فالإهمال لها أَو التأخر عنها أَو المماطلة والتسويف فيها تعد جريمة ترتكب في حق كُـلّ مواطن يتعرض لهذه الكارثة.