الهُـوِيَّةُ الإيمانية أكسبت اليمنيين نصرةَ الله ورسوله إلى الأبد
الهدهد / مقالات
منير الشامي
بعد أن قضى رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- ثلاثة عشر عاماً يدعو قومَه مخلصاً وحريصاً على هدايتهم؛ لينالوا الشرفَ العظيمَ والسبقَ في اعتناق دين الله، وتحمل في سبيل تحقيق ذلك ما لا يطيقه إنسان وصبر عليهم وتحمل جبروتهم وطغيانهم وجحودهم واستكبارهم ليحظوا بأعظمِ شرف في الدنيا.
وكان دعاؤه لهم بالهداية هو رده على مكرهم وتآمرهم وعداوتهم وحربهم وايذائهم الذي ظل يتنامى ضده وَيضاعف في صدورهم وسلوكهم يوماً عن يوم حتى بلغ ذروته وقرّروا قتله فهاجر عنهم إلى قوم أقبلوا على دينه في أول لقاء له بهم فآمنوا به وبايعوه على النصرة والحماية له ولدين الله فصدقوا وصدقهم ونالوا شرفَ النصرة لله ولرسوله ولدينه وصاروا أنصاره وأنصار دينه وهم قبيلتي الأوس والخزرج اليمنيتين الذين استوطنوا يثرب.
وبعد أن اشتدت قوةُ دولته وعلت كلمتُه وظهر دينه وآن الأوان أن تتجاوز دعوته خارج الحجاز بعث رسله برسائله إلى الدول والشعوب المحيطة ببلاد الحجاز شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ومنها اليمن التي أحاطها بخصوصية فريدة دون سائر الأمصار والبلدان فشرف أهلها وكرم أرضها بأحب الناس إليه وأقرب منه وأعظمهم منزلةً وأعلاهم قدراً وأسبقهم إيماناً وأجزلهم فضلاً وأوسعهم علماً، وبمن منزلته منه كمنزلة هارون من موسى ذلك هو الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.
بعثه -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- إلى اليمن برسالته إليهم في السنة التاسعة للهجرة، فوصل صنعاء في شهر رجب واجتمع الناس له في أول جمعة من ذلك الشهر في ساحة بصنعاء كان رسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- قد أمره عند ابتعاثه أن يبني فيها لليمنيين المسجدَ، وفي ذلك المكان قرأ عليهم رسالة النبي -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- ودعاهم إلى الإسلام فأعلنوا إسلامهم من ذلك المكان.
هذا الموقفُ العظيمُ للشعب اليمني والذي كان في أول جمعة من شهر رجب أضفى على هذا اليوم خصوصية عظيمة أكسبت اليمنيين هُـوِيَّة جديدة اندمجت مع هُـوِيَّة أصالتهم العربية الفريدة تبلورت في الهُـوِيَّة الإيمانية، وهي تلك الهُـوِيَّة التي شهد لليمنيين بها النبي -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- حينما وصل إليه مبعوث الإمام علياً عليه السلام يزف له بشرى دخول أهل اليمن في دين الله، فما أن علم بالخبر إلا واشرقت الأنوارُ من وجهه الكريم وتهلل بالفرحة العظيمة وسجد لله سجدة الشكر ثم قال حديثه المشهور: (الإيمان يمان والحكمة يمانية) شاهداً به على هُـوِيَّة جديدة لليمنيين وهي هُـوِيَّة الإيمان والحكمة.
فكيف لا تكون الجمعة، الأولى من رجب أعظم أعياد اليمنيون وهي ذكرى أعظم نعم الله عليهم؟!
هي عيدُ أعيادهم وعيدُ هُـوِيَّتهم الفريدة دون سائر المسلمين، فهم بهذا العيد وبهذه الهُـوِيَّة أكّـدوا مجدَ النصرة لله ولرسوله وخلدوه، وعمدوه بدمائهم من أول يوم وصل رسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- المدينة المنورة وحتى يومنا هذا الذي يراهم العالمُ فيه للعام السادس وهم يدافعون عن دين الله ويضحون؛ مِن أجلِ نُصرته ونصرة رسوله ودينه، ويواجهون أعظم وأكبر تحالف عدواني حدث في العالم اجتمعت فيه كُـلّ قوى الطاغوت والاستكبار، وقوى الشر العالمية؛ مِن أجلِ القضاء على تلك الهُـوِيَّة العظيمة فما استطاعوا ولن يستطيعوا أبداً، وستظل هُـوِيَّتهم قائمةً لنصرة الله ورسوله ومحصورة فيهم بفضل الله سبحانَه وتعالى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ولعل حديثُ رسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- الذي أشار فيه أنه سيذودُ الناس يوم القيامة عن حوضه ليكون اليمنيون أولَ من يرده ويشرب منه فيه الدليلُ الكافي على أن اليمنيين سيبقون أنصار الله وأنصار رسوله إلى أن تزولَ الدنيا ويرثَها الواحدُ الديَّان.