النباء اليقين

مجزرة القاعة الكبرى

كان الصباح كمثل أي صباح في وطني المنكوب فنبيت على أصوات الطائرات التي تحط جحيمها كل ليلة على جماجم الصغار و النساء و نصبح على رائحة الدم و الدمار و نمضي يومنا حيث لا يمكن لأحدنا التكهن بأنه سيكون بمنأى عن آلة القتل التي لا تفتأ تحصد الأرواح يوميا في وطني بالعشرات و في كل وقت و بمباركة من العالم أجمع.

 

أخبرني والدي أن هناك واجب علينا القيام به اليوم و لأن أبي لا يتخلف عن حضور المناسبات الاجتماعية و خير من يقوم بالواجب فقد انتهينا من طعام الغداء مبكرا و جهزنا أنفسنا للذهاب و عند ساعات العصر الأولى كنا قد وصلنا للمكان المحدد و ترجلنا عن السيارة و ركناها جانبا و كانت القاعة الكبرى هي محطة الوصول حيث يقام العزاء و كانت فعلا كبيرة كاسمها و تعج بالمعزين و بعد تقديم تعازينا لأسرة الفقيد جلسنا و مرت الدقائق حيث انشغلنا بالحديث مع من بجانبنا و المعزون لا ينفكون يحضرون تباعا و الجميع لا يعلم أن كارثة مهولة على وشك الوقوع ، و فجأة سمعنا هدير طائرة كان صوتها يعلو فوق رؤوسنا أكثر و أكثر ثم تبعه أزيز صاروخ هادر عظيم كاد يمزق طبلتي أذني و بعدها حل السواد و أحسست بلذع ألسنة اللهب تلفحني بشدة فحاولت إخفاء وجهي بين كفي و لم أعد أشعر بشيء بعدها و كانت تلك هي اللحظة الفارقة و الفاصلة بين الحياة و الموت.

بعد فترة لم أعرف مدتها …. إذ بي أحس ببعض الأيادي تزيل الركام المتكدس فوقي و الآلآم الفضيعة لا تفتأ تنخر جسدي و أدركت أن المنية لم تزرني بعد و أني ما زلت على قيد الحياة أتجرع من عظيم الألم  ، برؤية مشوشة رأيت لوحة مخيفة من الموت تلف المكان ، انتشلوني من مكاني و عدت ثانية لا أعي بمن حولي و أغمي علي من شدة الوجع.

بعد ساعات فتحت عيني بصعوبة و تفقدت المكان حولي و أدركت أني بالمشفى كان صوت الصاروخ لا يزال عالقا في أذني و كان الرباط يلف معظم أجزاء جسدي التي نالت منها النيران و الشظايا ، أغمضت عيني و عدت أتذكر المشهد، و روحي التي لم يقدر لها الموت تسأل كم يا ترى أرسل هذا الصاروخ اللعين اليوم من البشر الى الموت و كم هم الذين يكابدون الآلآم الشديدة على إثره مثلي.

أغمضت عيني و لا زال مشهد من كان في صالة العزاء عالق في فكري و أفكر بأبي و مصيره ، و بعد فترة… لا أدري لماذا سرت في نفسي سكينة عجيبة …. لم أدري كنهها لكني تيقنت أنها لم تأتي من فراغ و لكنها جاءت لتعلمني أن ما سيكون بعد هذه المجزرة ليس كما قبلها و أن القادم و الرد على المعتدين أعظم.

 

بقلم / زينب عبدالوهاب الشهاري