تباينات السعودية وحكومة هادي.. واقع حقيقي أم فيلم هوليودي؟
ويذهب هؤلاء إلى الحديث عن غضب وسخط الشخصيات الآنفة الذكر بسبب خريطة ولد الشيخ ومبادرة كيري والهدنة العسكرية، وكذلك، التركيز على وجود خلاف في وجهات النظر بين هادي وقوّات التحالف، مما دفع برئيس الوزراء في حكومة هادي ابن دغر للقول: “لو تخلَّى عنا العالم فلن نقبل بالحوثيين، لكل يمني سبب في رفضهم وحربهم، ستكون هناك مقاومة لهم من دون شرعية، ستكون فوضى”، وفق هذا البعض.
ويسترسل هؤلاء في الخلاف بين هادي والسعودية، لينقل عن لسان الرئيس المستقيل والمنتهية ولايته قوله “نحن في اليمن لسنا هدف إيران، نحن توطئة لهدفها، بعدما يستقرون هناك ومن خلال عملائهم الذين سيكونون الحكومة الشرعية المعترف بها أممياً لا قدر الله، سيقفزون على هدفهم الكبير وهو السعودية”، وكأن السعودية حمامة سلام ولم تتورّط بقتل أكثر من 10 آلاف مواطن يمني وفق آخر التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة. الخبير زايد المعمري، أحد أبرز الخبراء الأمنيين السعوديين، ذهب إلى أبعد من ذلك، بكثير، في اللعب على وتر الخلاف بين هادي والسعودي حيث اعتبر في مداخلة مع قناة “سكاي نيوز العربية” الاماراتية أن”القيادة الشرعية لم تستطيع التعامل مع الانقلابيين لا قبل حدوث الانقلاب ولا اثناء حدوث الانقلاب”، مهاجماً قوّا هادي ومتهماً إيّاها “بالتواطؤ مع الحوثيين ضد السعودية”!
ولكن، يغيب عن هؤلاء أن السعودية تتحكم بكل شاردة ووارد في الملف اليمني منذ بدء العدوان، وحتّى قبله، بل ما كان محرّم على حكومة هادي من مفاوضات في مسقط ، كان مسموحاً للرياض في مفاوضات الحدود وداخل الأراضي السعودية. قد يغيب عن هؤلاء أيضاً، أن هادي نفسه قد اعترف في فيديو مسرب تداوله نشطاء على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، أنه تفاجأ “بانطلاق العملية العسكرية للتحالف العربي الداعم للشرعية في اليمن والتي تتزعمها المملكة العربية السعودية”، مؤكداً أنها بدأت قبل خروجه من اليمن وقبل وصوله الى الرياض.
ويشاطر هؤلاء العديد من وسائل الإعلام الخليجية والسعودية تحديداً، في إبراز هذا الخلاف أمام الرأي العام العربي والعالمي لغاية في نفس النظام السعودي الذي يعيش مأزق سياسي وعسكري واقتصادي عميق، ويسعى اليوم لإيجاد مخرج يحفظ ماء وجهه من ناحية، ويجنّبه تبعات العدوان الذي شنّه على الشعب اليمني، كجرائم الحرب والإبادة والتطهير من ناحية أخرى.
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم يتعلّق بدقّة هذا الخلاف حيث يرى البعض أنه مفتعل وإعلامي لأسباب سنذكرها بين ثنايا هذه السطور، في حين يرى هؤلاء أن هذا الخلاف حقيقي، وهو تحليل غير واقعي تنقصه الشواهد، لكنّني سوف أتناوله ابتداءً.
يدرك الرئيس المستقيل، والمنتهية صلاحيّته، أن الشعب اليمني هو الخاسر الأكبر من استمرار العدوان بصرف النظر عن انتماءاتهم السياسيّة، فكيف له أن يعترض على ذلك رغم طفرة التقارير الأممية التي تتعلّق بالأوضاع الإنسانية المزرية؟ ألم يقتنع الرئيس المستقيل بوصول العدوان إلى حائط مسدود بعد أكثر من 600 يوم على بدأه؟ أليس من المفترض بالرئيس المستقيل أن يدعو لرفع الحصار، فضلاً عن وقف الغارات، كونه يسعى لإبراز نفسه بصورة الحريص على الشعب اليمني؟ الإجابة، نعم لو كان رئيساً، إلا أنه ارتكب الخيانة العظمى حين دعا التدخل السعودي والأجنبي، واليوم لا يعدو عن كونه ورقه متحرقة تسعى السعودية لاستثمارها عبر خلافات مفترضة قبل رميها جانباً.
“خلاف مفتعل”
وأما الرؤية الثانية التي تتبنّى فرضية افتعال الخلاف وإبرازه إعلاميّاً، تتكأ على جملة من الشواهد وسيل من السوابق التي تصب في الخانة نفسها: هادي دميّة لا أكثر.
ولكن، لماذا تلجأ السعودية إلى هذه الخطوة وفي هذا الوقت تحديداً.
أسباب عدّة تفسّر هذا النوع من الخطاب الجديد بين السعودية وهادي وحكومته التي كانت غائبة عن احتفالات العودة الحكوميّة النهائية إلى عدن، أبرزها:
أولاً: محاولة تلميع وجه النظام السعودي البشع أمام الشعب اليمني الذي أصبح يعتبر السعودية دولة معتدية بعد أن كانت يوما دولة حليفة. لا تقتصر أعمال التلميع عبر هذا الفيلم الهوليودي على اليمن فحسب، بل تطال المحيطين العربي والإسلامي، وربّما العالمي. ولكن، لا ندري هل تستطيع السعودية من خلال هذه الأفلام المدفوعة سلفاً أن تمحي وجهها الدموي البشع، وعشرات المجازر ليس آخرها المجزرة التي حصدت أكثر من 45 شهيدًا وجريحًا من المدنيين الآمنين في تعز. لا نستغرب أن تُبرز السعودية بشكل غير مسبوق “دعمها الإنساني” عبر المواد الغذائية والطبيّة لليمنيين حتى أولئك الموالين لحركة أنصار الله بغية إستثمار هذا الأمر في السياق أعلاه.
ثانياً: وصل الفيلم السعودي إلى مجلس الأمن فالرياض التي اعلنت على لسان مندوبها عبد الله المعلمي في الأمم المتحدة، عدم الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار، “إلا إذا طلبت الحكومة اليمنية ذلك”، حاولت إظهار موقفها كرهن للموقف اليمني لا العكس، وهذا إن دلّ على شيئ، فإنما يدلّ على نوع من المكابرة السعودية التي تسعى للخروج المستنقع اليمني بصورة مشرفة، وهادي اليوم ضالّتها في الخروج، كما في الدخول.
ثالثاً: تسعى السعودية من خلال هذا الخلاف التنصّل من أي تبعات قد تلاحقها في الأروقة الدولية بعد وقف العدوان على اليمن في مشهد يعيدنا إلى حادثة الصالة الكبرى في صنعاء حيث نفت السعودية في اليوم الأول الحادثة بالأصل، إلا أنها عادت لاحقاً عن كلامها محمّلةً الطرف اليمني مسؤولية الحادث وتبعاته، في حين أن هادي الذي يسعى الإعلام السعودي لإبرازه على هيئة المنتفض والخارج عن “الإرادة السلميّة السعودي”، سكت وكأن على رأسه الطير رغم أن هذا الأمر كفيل بتقديمه كمجرم حرب، ولكن بالتأكيد سيعمد إلى تكرار ما فعلته معه السعودية مع صغار قومه.
المصدر: الوقت