أزمة السيولة المالية .. “تفاصيل” الجريمة المنظمة للعدوان(تقرير)
عمد العدوان السعودي الأمريكي على مدى أكثر من 600 يوم إلى ارتكاب سلسلة من الجرائم الاقتصادية مستهدفاً الاستقرار المالي والمعيشي من خلال قطع كافة مصادر الموارد العامة بالعملتين المحلية والأجنبية، وإيصال البنك المركزي اليمني إلى العجز الكامل عن تمويل واردات البلاد من السلع الأساسية وصرف مرتبات موظفي الدولة.
حيث باشر العدوان عملياته الإجرامية وحصاره الجائر بتواطؤ دولي بوقف حركة الملاحة الجوية والبحرية من وإلى اليمن، بالتزامن مع فرضه قيوداً على حركة تدفق الأموال من وإلى البنوك والمصارف اليمنية.
وتسبب العدوان ومرتزقته في الداخل والخارج في تراجع تدفق موارد النقد الأجنبي إلى أدنى المستويات، نتيجة توقّف واحتجاز التحويلات المالية للمغتربين التي بلغت العام المنصرم وفق تقرير إتحاد المصارف العربية الصادر في أغسطس الماضي 3.4 مليار دولار، وتوقف صادرات السلع بما فيها النفط والغاز إلى الأسواق الخارجية والتي أدت إلى فقدان الخزينة العامة للدولة قرابة أربعة مليارات دولار.
كما تراجعت العائدات السياحية وتوقفت كافة الاستثمارات الأجنبية فضلاً عن تعليق المنح والقروض التنموية واحتجاز الحقوق المالية المستحقة لعدد من الشركات اليمنية والبالغة 400 مليون دولار، كما أدى خروج معظم السفارات والمنظّمات المانحة والشركات الأجنبية إلى توقف موارد البلد من النقد الأجنبي.
وعمد العدوان السعودي الأمريكي إلى سحب السيولة المالية من العملة الصعبة المتداولة في البنوك والمصارف المحلية حيث وجه مرتزقته بسحب ما يقارب الـ 300 مليار ريال من البنوك والمصارف قبل بدء العدوان بأشهر، بهدف زعزعة ثبات واستقرار العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية وصولاً إلى إحداث انهيار متسارع في القيمة الشرائية للريال اليمني.
ورغم كل محاولات العدوان لتجفيف مختلف مصادر تغذية الاحتياطي النقدي الأجنبي إلا أن البنك المركزي اتخذ حزمة من الإجراءات والضوابط لإيقاف وقف استنزاف العملة الأجنبية من السوق والحفاظ على استقرار العملة الوطنية، حيث وجه كافة البنوك والمصارف بعدم بيع أي عملات صعبة والاكتفاء بالشراء بالسعر الرسمي، وتكفل البنك بتمويل الشركات والتجار والبنوك بالعملات الصعبة ليوقف عملية استبدال الريال اليمني بأي عملات أجنبية.
كما شدد البنك الرقابة على القطاع المصرفي للحفاظ على معدلات مقبولة من الاحتياطي النقدي الأجنبي وظل يمول واردات البلاد ويغذي السوق بالعملات الأجنبية لمواجهة الطلب، إلا أن العدو قابل تلك الإجراءات بإعاقة نقل العملة الأجنبية الفائضة في البنوك والمصارف اليمنية إلى الخارج لتعزيز أرصدتها في البنوك الدولية والاستمرار في تمويل واردات البلاد الأساسية، رغم الحصول على موافقة مسبقة من تحالف العدوان بعد تدخل صندوق النقد الدولي والأمم المتحدة التي عبرت عن مخاوفها من عجز البنك المركزي في تمويل الواردات المنقذة للحياة، حيث لم يقبل العدو سوى 330 مليون ريال سعودي تابعة لأحد البنوك التجارية مشترطا إيداعها في البنوك السعودية .
ورغم وجود الأدلة القطعية التي تجرم العدوان وتحمله المسؤولية الكاملة عن أسباب تناقص أرصدة البنك المركزي اليمني في البنوك الدولية ما دفع البنك إلى وقف ائتمان مادة السكر بالدولار مطلع العام الجاري مقابل استمراره في تأمين واردات القمح والدقيق؛ عمد العدوان ومرتزقته إلى التهرب من مسئوليتهم تجاه سياسة التجويع التي يتعرض لها الشعب اليمني بالطعن في حيادية البنك واتهامه بالتواطؤ في تبديد الاحتياطي النقدي الأجنبي الموجود في البنوك الدولية وليس في البنك المركزي.
ومثلت تلك الاتهامات التي تعرض لها البنك المركزي من قبل السعودية وحكومة الفار هادي مقدمة لسطوها على مبيعات شحنة نفط الضبة البالغة 3.5 ملايين برميل والتي تتجاوز 142 مليون دولار، التي تم الاتفاق على بيعها أواخر رمضان الماضي برعاية صندوق النقد الدولي الذي اشترط توريد 100 مليون دولار منها إلى حساب البنك المركزي بصنعاء، وذلك بعد فشلها خلال النصف الأول من العام الجاري في السيطرة على إعانات الفقراء والمعدمين من مستحقي الضمان الاجتماعي المقدمة من البنك الدولي والدول المانحة والبالغة 900 مليون دولار وإصرار الأمم المتحدة على أن تحول إلى حساب البنك المركزي في صنعاء وهو ما قابلته تلك الحكومة بالرفض.
وأدى ذلك إلى تراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي من 4.2 مليار دولار إلى 2.1 مليار دولار نهاية العام المنصرم نتيجة لاستهداف كافة الموارد الخارجية لليمن الذي يعتمد بنسبة 90% من احتياجاته الأساسية للعيش على الأسواق الخارجية واستمر في التراجع ليصل وفق بيانات رسمية إلى 1.6 مليار دولار منتصف العام الجاري، وذلك جراء ارتفاع فاتورة الواردات من الغذاء والدواء والوقود التي دخلت معظمها من أسواق دول العدوان وبطريقة محتكرة سواء كانت عبر الموانئ البحرية أو منفذ الوديعة البري، مقابل انخفاض قيمة الصادرات السلعية خلال العام الماضي بنسبة 66.57 % نتيجة الحصار والعدوان والاستهداف الممنهج للقطاع الإنتاجي.
وساهم العدوان على مدى 600 يوم بشكل كبير في ارتفاع فاتورة الاستيراد السلعي للواردات إلى الأسواق اليمنية، ووقف حجر عثرة أمام الآثار الإيجابية لتخمة النفط التي تعاني منها الأسواق العالمية منذ أكثر من عام، والتي كانت ستسهم في انخفاض فاتورة استيراد المشتقات النفطية التي فقدت 60% من قيمتها منذ أواخر عام 2014م.
حيث وقف العدوان وحكومة الفار هادي إلى جانب مافيا المشتقات النفطية في استغلال حاجة الشعب اليمني للوقود في ظل الحصار واحتكار الاستيراد وإغراق السوق اليمنية بالمشتقات النفطية المهربة وبيعها في السوق السوداء.
وفي ظل مساعي العدوان السعودي الأمريكي الهادفة إلى تجويع الشعب اليمني وتضييق خيارات العيش الكريم المتاحة، أقدم مرتزقة العدوان السعودي الأمريكي على سحب السيولة المالية من العملة المحلية من السوق المحلي منذ أواخر العام الماضي مستخدمين الإشاعات في تلك العملية الإجرامية.
ولجأ العدوان إلى تشديد الحصار على واردات شركة النفط اليمنية من المشتقات النفطية واحتجاز عدد من الناقلات والسفن المحملة بالوقود، وتزويد المرتزقة من جانب وداعش والقاعدة المتواجدة في المكلا من جانب آخر بكميات كبيرة من المشتقات النفطية عبر منفذي الوديعة وخراخير وعبر شواطئ محافظتي حضرموت وشبوة بهدف سحب السيولة المالية من العملة الوطنية من العاصمة والمحافظات، كما فتح المجال أمام استيراد السلع والمنتجات الغذائية والدوائية من أسواق السعودية والإمارات براً عبر منفذ الوديعة وربط دفع قيمة كافة تلك الواردات بالسداد نقدا بالريال اليمني، بالإضافة إلى احتجاز الكتلة النقدية من العملة المحلية في المناطق الجنوبية والشرقية وعدم السماح بإعادة تدويرها.
كما تسبب العدوان والحصار الاقتصادي في تراجع إيرادات الدولة النفطية بنسبة 70% وتراجع إيرادات الضرائب والجمارك والرسوم الحكومية إلى أدنى المستويات، ووفق البيانات الصادرة عن وزارة المالية انخفض إجمالي الناتج المحلي الحقيقي خلال عام 2015م بنسبة 42% عن العام 2014م، وارتفع معدل التضخم لأسعار المستهلك خلال 600 يوم إلى 34% الأمر الذي أدى إلى انخفاض متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي المتاح الحقيقي خلال الفترة ذاتها بنسبة كلية تصل إلى 60%، وارتفاع معدل الفقر المدقع إلى ما يقارب 85% .
ورغم تداعيات العدوان والحصار على الاقتصاد الوطني ككل وآثاره الكارثية على الأوضاع المعيشية للمواطن التي أدت إلى فقدان نحو 3 ملايين عامل يمني فرص أعمالهم في مختلف القطاعات، عمدت حكومة الفار هادي ومرتزقة العدوان إلى تحريف الحقائق مستخدمين أسلوب التدليس والتضليل والشائعات لتبرير جرائمهم الجسيمة بحق الاقتصاد الوطني والمالية العامة، حيث وجه الفار بن دغر السلطات المحلية بالمناطق الجنوبية والشرقية بعدم التعامل مع البنك المركزي بصنعاء وتوريد إيرادات الدولة إلى حسابات خاصة في البنك الأهلي، وتزامن هذا التصعيد مع رفض الفار هادي كافة المساعي الدولية الهادفة إلى إعادة إنتاج النفط والغاز لإنقاذ الموازنة العامة من العجز.
كما عمل مرتزقة العدوان على مصادرة كافة إيرادات الدولة السيادية في المناطق الجنوبية والشرقية ومصادرة سبعة مليارات ريال أرسلها البنك المركزي من صنعاء في نفس الشهر كمرتبات لموظفي الدولة في المناطق الجنوبية من خلال اختطاف تلك الأموال ونقلها إلى مطار بيشة السعودي، وكذا وقف حصة شركة الغاز الحكومي من الغاز المنزلي بمحافظة مأرب واشتراط دفع الأموال نقداً عوضاً عن توريدها إلى حساب الحكومة العام في البنك المركزي وحرمان صنعاء والمناطق الشمالية من حصصها المعتمدة في الغاز المنزلي وفتح المجال للسوق السوداء بغرض سحب السيولة المالية .
وتضمنت الجرائم التي ارتكبها مرتزقة العدوان وعملائه إصدار قرار غير قانوني بدعم سعودي إماراتي أمريكي قضى بتعيين مجلس إدارة جديد ونقل البنك المركزي اليمني من العاصمة صنعاء إلى محافظة عدن التي تخضع لسيطرة مليشيات دينية ومناطقية وعنصرية متطرفة وتعاني من انفلات أمني شديد.
ورغم جملة المبررات الكاذبة التي استخدمها المرتزقة القابعين في الرياض لتعطيل نشاط البنك واتهامه بعدم الحيادية، تجاهلوا أن البنك المركزي كان يعاني منتصف العام 2014 من أزمة في السيولة وعجزاً مالياً قياسياً أكده وزير مالية حكومة الوفاق الوطني في حينه صخر الوجيه مطلع أبريل 2014 أمام مجلس النواب وحذر من وصول حكومته إلى العجز الكامل عن صرف مرتبات موظفي الدولة خلال عدة أشهر .
وفيما كانت السيولة المالية من النقد المحلي في البنك المركزي لم تتجاوز الـ 448 مليار ريال مطلع العام الماضي، ورغم تراجع الإيرادات العامة للدولة إلى مستويات متدنية، استعان البنك المركزي بالعملة التالفة واتخذ إجراءات تقشفية لتقليص النفقات العامة ليتمكن من تغطية باب الأجور والمرتبات وفقاً للموازنة العامة للدولة للعام 2014م .
محافظ البنك المركزي محمد عوض بن همام، الذي تعرض لضغوط كبيرة من قبل الفار هادي وحكومته التي حاولت تمرير موازنة عامة غير المعمول بها تضم أسماء كافة المليشيات المسلحة التي تقاتل إلى جانب العدوان، أكد أواخر أغسطس الماضي في حوار مع وكالة رويترز أن حل أزمة السيولة يكمن في طباعة العملة.
وتم الاتفاق على طباعة 400 مليار ريال في شركة غورناك الروسية أواخر رمضان الماضي إلا أن حكومة الفار هادي طالبت الشركة بعدم الطباعة لإيصال البنك المركزي إلى حالة العجز الكلي عن صرف المرتبات لتحقيق أهداف خفية ذات طابع عسكري وتدميري تمثلت في تعطيل كافة مؤسسات الدولة واستهداف الأمن والاستقرار في العاصمة صنعاء من خلال إثارة سخط الموظفين ودفعهم إلى تنظيم احتجاجات للمطالبة بالمرتبات وتغذية تلك الاحتجاجات بعناصر وخلايا نائمة لتحويلها إلى أعمال شغب.
وبالرغم من كل تلك الجرائم الاقتصادية التي ارتكبها العدوان السعودي وأدواته في الداخل لا يزال الشعب اليمني صامداً في وجه العدوان والحصار، وأصبح على يقين أن أمعان تحالف العدوان في تدمير الاقتصاد هو استهداف للوطن والشعب اليمني.