“اتفاق مسقط” يعكس تخبطاً لدى المملكة وأدواتها.. من يخرجهم من المستنقع؟
سمية علي
لم تستيقظ حكومة الرئيس اليمني الفار عبد ربه منصور هادي من صدمة اعلان وزير الخارجية الأميركي جون كيري من الامارات عن “موافقة طرفي الحرب في اليمن على اتفاق يوقف اطلاق النار ويعد بتشكيل حكومة وحدة وطنية” في البلاد، حتى نفت الخارجية الأميركية، في تصريح تلفزيوني على لسان المتحدث باسمها كريستيشن جيمس، ما جاء على لسان هذه الحكومة، عن أن الأخيرة تلقت اعتذاراً بـ “الهذيان” الذي جاء على لسان كيري. من الطبيعي أن يثير كلام كيري حفيظة الحكومة غير الشرعية، التي اتخذت منها واشنطن ومعها المملكة العربية السعودية والامارات شمّاعة لاضفاء الشرعية على عدوان مستمر منذ أكثر من عام ونصف العام على البلاد.
بالعودة الى نيسان/أبريل من العام 2015، فقد أعلنت قيادة تحالف العدوان وقتها أن “انتهاء (عاصفة الحزم) وبدء حملة (إعادة الأمل) جاء بناءً على طلب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي”، مستعرضة عدداً من الانجازات الوهمية التي حققتها العاصفة المزعومة. تظهر مجريات الأيام الأخيرة أن التنسيق الذي يظهره هذا التصريح وغيره من التصريحات، هو مجرد كذبة كبيرة، “فمن لم يعلم ببدء العدوان على اليمن إلا عبر وسائل الاعلام، فمن الطبيعي أن لا يعلم بأي اتفاق إلا من وسائل الإعلام”، بحسب تغريدة لعضو المجلس السياسي لحركة أنصار الله ضيف الله الشامي على موقع “تويتر” أول من أمس. فهل يعكس الاستغناء عن حكومة هادي وأنصارها في الداخل اليمني، ادراكاً اميركياً ومن خلفه اقرار سعودي وخليجي بأصل جدوى استمرار العدوان، الذي برز الى العلن منذ أشهر عدة أنه بات يدور في حلقة مفرغة؟ خصوصاً أن هذه الأطراف اثبتت على امتداد أيام الحرب الستمئة أنها غير قادرة على تحقيق أي انجاز ميداني نوعي يمكن استثماره على طاولة المفاوضات، بل على العكس فقد نجحت “أنصار الله” والمؤتمر الشعبي بتكذيب أي انتصار وهمي، من خلال اثبات قدرتهم حتى اللحظة وبالرغم من كثافة غارات التحالف، على استهداف الداخل السعودي واحداث اصابات مباشرة في صفوف الجيش، كان أبرزها استهداف مطار جدة عقب مجزرة الصالة الكبرى في صنعاء.
يمكن ادراج هذه العوامل كأحد الأسباب الرئيسية التي قد تدفع بواشنطن الى وقف حرب لن يؤدي استمرارها الى شيء سوى الى اثبات مزيد من القدرة لدى “أنصار الله” على الصمود والقدرة على المبادرة في الميدان، وبالتالي حصد المزيد من الأوراق في السياسة. يأتي ذلك في موازاة ما يتم الحديث عنه عن سعي الادارة الأميركية الحالية حصد انجاز وقف الحرب، قبل مغادرتها البيت الأبيض، وهو أمر لم تكن لتسعى اليه لو سلك العدوان مساراً آخر محققاً ولو انجازاً واحداً يمكن الاستناد اليه. هنا يحضر السؤال الأبرز: هل ستنجح واشنطن في ايصال اتفاق وقف اطلاق النار، والذي يستلزم عدم سقوطه كما حدث سابقاً التزاماً سعودياً بالدرجة الأولى، الى خواتيمه السعيدة؟ أي أن تتوصل المفاوضات المتوقع انطلاقها نهاية الشهر الحالي الى نتائج مثمرة، في ظل التعقيدات الكامنة في التفاصيل، والتحدي الماثل أمام واشنطن في قدرتها على انزال المملكة عن شجرة تسلقتها بمباركة منها، وبالتالي محاولة اخراجها من هذه الحرب بأقل الخسائر الممكنة، والتخفيف من وطأة الهزيمة وتداعياتها على الداخل السعودي المتخم بالصراعات والأزمات الاقتصادية. وهو ما ليس بالأمر السهل، في ظل القوة التي يتمتع بها الطرف المقابل، والتي ستجعل من التفاوض على المسلمات الوطنية أمراً مستحيلاً.
ربما يعكس اعلان السعودية على لسان مندوبها في الأمم المتحدة عبدالله المعلمي، عدم الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار، “إلا إذا طلبت الحكومة اليمنية ذلك”، نوعاً من المكابرة المتوقعة، التي تحمل في خلفيتها تأكيداً للإدارة الأميركية بضرورة اخراجها من المستنقع اليمني بصورة مشرفة. ففي حال كانت هذه الادارة جدية في ايقاف الحرب، فمن المؤكد أنها ستسعى الى تقديم تطمينات للمملكة، وقتها سترضخ الأخيرة فهي لا تملك خياراً آخر، وكذلك أدواتها الذين سيتوقفون عن الصراخ ويجلسون الى طاولة المفاوضات، ولو كانوا خالي الوفاض من أي انجاز ميداني.
المصدر: موقع المنار