تعز.. جمرة النصر التي أحرقت أيدي العدوان (قراءة تحليلية)
الحسين محمد الجنيد
على ما يبدو للكثير من المحللين السياسيين والعسكريين بأن عملية “نصر الحالمة” لم تسر مجرياتها وفق ما كان يتمناه الغزاة ومرتزقتهم، فتحولت تعز من ثمرةٍ سيقطفونها إلى جمرةٍ استحالت أياديهم من القبض عليها.
حتى وصلت بهم أقصى درجات التخطيط لاستبدال اسم العملية فقط، وتغييره إلى “سهم معاذ بن جبل”، ظناً منهم بأن بركات الاسم ستحقق لهم معجزة النصر الذي عجزت عقول أغبيائهم عن التخطيط له وبطولات جبنائهم عن تحقيقه في الميدان.
تعز تنحاز للوطن
أسبوعان مرَا على إعلان دول التحالف الشيطاني عبر وسائل إعلامهم عن تدشين كبرى عملياتهم لتحرير مدينة تعز حسب وصفهم، فإذا بالحالمة وأبناءها ينتفضون ضد الغزاة ومرتزقتهم ويمدون أياديهم للجيش واللجان الشعبية معلنين اختيارهم للوطن الكبير الذي حررته ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر رافضين العودة للوصاية السعودية الأمريكية على اليمن أرضاً وشعباً.
فمنذ بداية معركة تعز وحتى لحظات كتابة هذا التقرير تنهال صفعات الهزائم على وجوة الغزاة ومرتزقتهم بقبضات أبطال الجيش اليمني واللجان الشعبية على كافة المحاور القتالية، ويتصدر تقدم الجيش اليمني العظيم ولجانه الشعبية مشاهد الجبهات، على الرغم من ضخامة التحضيرات التي قام بها الغزاة ومرتزقتهم لهذه المعركة من حشود ومن أسلحة نوعية حديثة.
ووفق النتائج التراكمية للمرحلة الزمنية منذ انطلاق عملية “نصر الحالمة” فقد سيطر الجيش اليمني واللجان الشعبية على معظم مديريات محافظة تعز، أهمها مديرية ذو باب ومديرية المسراخ التي شكلت حجر الزاوية في البناء الاستراتيجي العسكري، حيث تمت السيطرة من خلالها على منطقة “نجد قسيم” والتي كانت تشكل خط الإمداد وتهريب المدرعات الإماراتية، ومنها تم التوجه نحو منطقة النشمة للوصول إلى التربة وذلك للإلتحام مع القوات القادمة من جبهة الوازعية التي تمت السيطرة عليها وتطهيرها بالكامل من مرتزقة العدوان الممثلة بعناصر تنظيم القاعدة ومليشيا حزب الإصلاح.
ومن خلال قراءة جغرافية السيطرة للجيش واللجان الشعبية من الناحية الاستراتيجية يتضح لأي محلل عسكري بأن القوس الممتد من الوازعية وصولاً إلى مديرية المسراخ ونجد قسيم يعتبر المكمل للطوق العسكري التحصيني لمحافظة تعز من كل الجهات ويغلق الباب كلياً في وجه الغزاة بإيجاد أي ثغرةٍ تمكنهم من التنفيس على عملائهم ومرتزقتهم في الجبهة الداخلية للمدينة والذين هم على وشك لفظ أنفاسهم الأخيرة.
انسحابات واتهامات
وفي المقلب الأخر ارتفعت وتيرة الصراع والحرب الإعلامية التي بدد ضجيجها سكون صدمة الهزيمة، بين قادة العدوان وأبناء العاصفة، فقد جاءت تصريحات “أنور قرقاش” وزير الخارجية الإماراتي والتي برر فيها سحب القوات الإماراتية من جبهة تعز بأن سبب الهزيمة الرئيسي هو تخاذل مسلحي حزب الإصلاح وانسحاباته المتكررة من المواجهات، في حين شن إعلاميو حزب الإصلاح هجماتٍ إعلامية عبر مواقعهم الإخبارية وصفحات التواصل الاجتماعية متهمين فيها الإمارات بالتآمر عليهم وذلك ضمن مخطط الإمارات في القضاء على حركة الإخوان المسلمين في المنطقة، وبين تبريرات الإمارات وحزب الإصلاح تكاد السعودية تنفجر غضباً، فهي التي تدفع الثمن الأكبر على المستويين العسكري والسياسي، فلم يكن وقع الهزيمة في جبهة تعز يخف حتى انهالت على رؤوسهم مصيبة سقوط مواقع الشبكة ونهوقة العسكرية بقبضة الجيش اليمني واللجان الشعبية، مما يجعل سياسيوها عراةً على طاولة “جنيف2”.
بوابات الطريق إلى جنيف2
هذا ويأتي سقوط مديرية الشريجة بيد الجيش واللجان الشعبية من الناحية الاستراتيجية بمثابة نقاط التثبيت للعدو وبوابة التقدم نحو الجنوب اليمني، وسقوط الربوعة وموقع الشبكة العسكري السعودي وموقع نهوقة العسكري السعودي بمثابة تأسيس لقواعد انطلاق وبوابات التقدم باتجاه الجنوب السعودي. هذه البوابات التي قلبت بها اليمن الطاولة على رؤوس قادة السعودية الذين حاولوا جاهدين خلال الأسبوعين الماضيين ومن خلال وهمهم بالانتصار في معركة تعز التلاعب والمراوغة في المسار التحضيري لمؤتمر “جنيف2” حيث كانوا بصدد رسم ملامح أجندة المؤتمر المبنية وفق شروطهم هم، فبعد أن طرحت السعودية شرط الاعتراف بشرعية هادي لوقف العدوان، باتت تطرح شرط الانسحاب من الأراضي السعودية، إلا أن رجال الله في الميدان العسكري والميداني السياسي بصمودهم وتوكلهم على الله لن يرضخوا لهكذا شروط، وسيتوقف العدوان على اليمن “إما بعصا موسى أو بصميل فرعون” كما يقول المثل الشعبي.