جدعون ليفي: وعد بلفور وقاحة إستعمارية
وصف الكاتب الصحفي الإسرائيلی جدعون ليفي وعد بلفور المشؤوم بالوقاحة الإستعمارية الصارخة.
نقل موقع الرسالة نت عن جدعون ليفي في مقال بصحيفة هآرتس الإسرائيلية بمناسبة الذكري المئوية لوعد بلفور: “لم يحدث قط أمر كهذا: إمبراطورية تَعِد بإعطاء أرض لا تسيطر عليها إلى شعب لا يسكن فيها، من دون أن تسأل سكان هذه الأرض. ليست هناك طريقة أخرى لوصف الوقاحة الإستعمارية التي لا تُصدّق والصارخة في كل حرف من حروف وعد بلفور الذي يمرّ اليوم 100 عام على صدوره. ستحتفل رئيسة الحكومة في بريطانيا ومعها رئيس وزراء “إسرائيل” هذا الأسبوع بإنجاز صهيوني عظيم. الآن كان من المفروض أيضاً الوقت حان لأن يحاسبا نفسيهما. إنّ الإحتفال بمرور 100 عام من إستعمار كان أولاً بريطانياً ثمّ إسرائيلياً مستوحى منه، جاء على حساب شعب آخر وشكّل نكبته التي لا تنتهي.
لقد كان وعد بلفور قادراً على أن يكون وثيقة عادلة لو ضَمِن المساواة بين الحالمين بأرض (إسرائيل) والساكنين فيها. لكن بريطانيا فضّلت الحالمين الذين هم تقريباً لم يسكنوا في البلد (شكّل اليهود أقلّ من عُشر السكان) على السكان الذين عاشوا فيها مئات السنوات وكانوا الأغلبية المطلقة فيها ولم تمنحهم أي حقوق وطنية. لقد وصف وعد بلفور العرب الذين كانوا أكثرية بـ”جماعات غير يهودية”؛ تخيّل أن يوصف اليهود في (إسرائيل) بأنّهم “جماعات غير عربية”. لقد زرعت بريطانيا بهذه الطريقة بذور الكارثة التي يذوق الشعبان ثمارها السامّة حتى اليوم. لا سبب للإحتفال هنا، إنّ مرور 100 عام هو مناسبة لإصلاح الظلم الذي لم تعترف بريطانيا به ولا (إسرائيل). ليست دولة (إسرائيل) فقط هي التي وُلدت نتيجة الوعد، بل سياسة (إسرائيل) تجاه “الجماعات غير اليهودية” آنذاك، صاغتها رسالة اللورد جايمس أرثور بلفور إلى اللورد والتر روتشيلد. إن الغبن الذي لحق بعرب (إسرائيل) وإحتلال الفلسطينيين هما إستمرار مباشر لهذه الرسالة. لقد مهّد الإستعمار البريطاني للإستعمار الإسرائيلي، مع أنّه لم يكن في نيته أن يستمرّ 100 عام وأكثر.
(إسرائيل) في سنة 2017 تَعد هي أيضاً بمنح الفلسطينيين “حقوقاً مدنية ودينية”، لا وطناً قومياً. وبلفور هو أول من وعد بذلك. صحيح أنّ بريطانيا وزّعت خلال الحرب العالمية الأولى وعوداً متناقضة، بينها وعود للعرب، لكنها حقّقت وعدها لليهود فقط. لقد كتب شلومو أفينيري هنا أول من أمس مقالاً (“وعد بلفور: العلاقات والنتائج”)، قال فيه إنّ الهدف الأساسي للوعد كان تقليص معارضة يهود الولايات المتحدة لمشاركة بلدهم في الحرب.
وبغض النظر عن الدافع، ففي أعقاب الوعد هاجر مزيد من اليهود إلى البلد. وفور وصولهم إليها تصرفوا كأنهم أصحاب البيت. وعلاقاتهم التسلطية حيال أبناء البلد من غير اليهود لم تتغير منذ ذلك الوقت. بلفور سمح لهم بذلك. ولم تكن مصادفةً أن يقف ضد بلفور مجموعة من اليهود من أصل سفاردي عاشوا في البلد وأرادوا المساواة مع العرب، كما ذكر في “هآرتس” أول من أمس عوفر أديرت، وليس مصادفةً أن يجري إسكات صوتهم.
لقد سمح بلفور للأقلية اليهودية بالسيطرة على البلد عبر تجاهل واضح للحقوق الوطنية لشعب آخر يعيش فيها منذ أجيال عديدة. بعد 50 عاماً تماماً على وعد بلفور إحتلت (إسرائيل) الضفة الغربية وغزّة وغزتهما بالطريقة الإستعمارية ذاتها وتُواصل إحتلالهما متجاهلةً حقوق سكانهما. وهذا أيضاً سمح به بلفور بصورة مسبقة. لو كان حياً اليوم، لكان شعر بالراحة في كتلة حزب البيت اليهودي فهو مثل بتسلئيل سموتريش يعتقد أنّ لليهود حقوقاً في هذه الأرض وأنّه ليس للفلسطينيين حقوق فيها ولم يكن لهم فيها حقوق أبداً. وهو(بلفور) مثل ورثته في اليمين الإسرائيلي لم يُخفِ ذلك وعبّر عنه بوضوح في خطابه في البرلمان البريطاني سنة 1922.
بمناسبة مرور 100 عام على وعد بلفور يتعيّن على اليمين القومي أن يحني رأسه إمتناناً لمبدع التفوق اليهودي في أرض (إسرائيل) اللورد بلفور. ويجب على الفلسطينيين واليهود من أنصار العدالة أن يحزنوا. لو لم يكتب بلفور وعده بهذه الطريقة لربّما كانت نشأت هنا دولة مختلفة أكثر عدالة بكثير.”