الثقافة والثورة في اليمن
عبد الله البردوني
مطبعة الكاتب العربي – دمشق
1991
574 صفحة
الثقافة والثورة في اليمن لعبد الله البردوني عن مطبعة الكاتب العربي /دمشق عام 1991م في 574؛ كتاب راق في الطرح والتناول وقريب إلى الواقع المعيش آنذاك بل ينطبق على كثير من أحداث الثورة اليوم بتحليلاته وتفسيراته عددا من التداعيات والنتائج فقد استطاع المؤلف تأكيد الصلة بين الثقافة والثورة كرد على من لا يرى القلم ندا للسيف وقد جاء الكتاب في ثمانية عشر فصلا الأولى منها متعددة المحاور في حين تأتي الأخيرة أقل منها بكثير استجابة لحاجة الموضوع؛ وكتاب كهذا بما يتميز من متعة حال قراءته وتشويق إلى إكمال الفصول جميعا لا يكفيه عرض موجز إنما نحاول ذكر بعض مفاتيحه وعلى القارئ الرجوع إلى الكتاب و الاستفادة من علم البردوني وعمق ثقافته.
جاء الفصل الأول تحت عنوان (افتتاح أقطار الوقت) وفيه يتحدث عن مسألة رحيل الأتراك بالبديل عنهم وينعت ذلك بطفولة الوطنية في فجر القرن العشرين “إذ كان الجدل حول من يخلف الأتراك وهل يسد مسدهم في تأمين السبل والضرب على أيدي العابثين” بحسب تعبير البردوني، فبعد رحيل الأتراك في آخر العقد الثاني من القرن العشرين بدأ التذمر على الوضع في حين لم يكن الإمام قد استكمل أسباب قوته بعد فظلوا يرددون عبارات تستجدي زمن الأتراك نحو “كنا في نعمة ونعيم أيام محمود نديم” كما نسمع في أيامنا هذه، أضف إلى ذلك تذمرهم من الفقهاء ثم يعرض المؤلف بعض الأبيات الشعرية لشعراء المدائح والنصائح كما يسميهم وموقف شيوخ الأدب في اليمن من التيار النقدي والشعري في تلك الفترة للعقاد والمازني والرافعي وغيرهم وميل أولئك الشيوخ للقديم.
وفي الفصل الثاني (الحزبية في اليمن، من الخلايا السرية إلى التعدد العلني في فجر التسعينات) يبدأ المؤلف الحديث عن (تجارب الرعيل الأول)والدراسات السياسية التي تتحدث عن الحركات الوطنية المعاصرة في اليمن مقرونة بالحزبية من منتصف الثلاثينات إلى سبتمبر 1962م نحو كتاب (تنظيم الضباط الأحرار) ثم يليه موضوع (منطق محاربة الحزبية) ويرمز به إلى دور الإعلام في إقرار شرعية علنية الأحزاب ثم ختم الفصل بالحديث عن (الثقافة الحزبية).
وفي الفصل الثالث (الثورة اليمنية من صراع النقائض إلى الارتقاء عليه) وفيه خمسة محاور أولها (الثورة التاريخ، الثورة الواقع) ويشير به إلى الحس الثوري عند الشعب بعد مرور عشرين عاما على ثورة 26 سبتمبر وواقعها الملموس والأسباب التي سبقت ذلك الانفجار الثوري الذي يفصّل الحديث عنه في محور (الثورة والكتابة عنها) فيشير إلى أن الكتابات لم تكن صائبة في ملاحظاتها على ما بها من اعوجاج وإن وجد حورب أكثر من تجارة المخدرات ثم يأتي عنوان (ثورة أكتوبر من البندقية إلى الوحدة) و(التيار الطلابي) ويتحدث فيه عن المظاهر الطلابية التي اتقدت في يونيو عام 1962م وينتهي الفصل الثالث بالحديث عن (أهداف سبتمبر تحت أضواء جديدة) مفصلا كل هدف من الأهداف السبتمبرية بالشرح والتحليل.
وفي الفصل الرابع (الجانب الثقافي) ويتناول ستة محاور يثبت المؤلف خلالها التغير الثقافي الذي رافق الثورة من شعر ونثر مما يدل على أن التعليم في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين كان واردا؛ فالمحور الأول (جذور وبذور) يتطرق إلى ذلك الاهتمام بالدواوين الشعرية والتاريخ وكتاب نهج البلاغة الذي يمثل أكثر الكتب بلاغة وفصاحة كما يشير إلى كثير من المجلات الثقافية آنذاك ومنها مجلة الحكمة اليمانية، ويأتي المحور الثاني (سنوات الشك والثقافة الجدلية) والثالث (فنون الروح الجماعية) ويليه (باب من الشعر اليمني) و(كتابان عن المرأة) وهما كتاب (البرهان والحجة في وجوب طاعة الزوجة) لعبد الواسع الواسعي والآخر (أستاذ المرأة) لمحمد سالم البيحاني أما (مثاقفة عشية الانقلاب الشباطي) فهو آخر محور في هذا الفصل ويتناول تزامن الجدل الفقهي والشعر التفكهي والتقريظي في الأربعينات والتأليف عن المرأة والحجاج السياسي.
ويأتي الفصل الخامس (انبعاث آثار شباط بعد انتكاسه) في محورين هما (حركة صنعانية بين حركتين) و(ثقافة التحول والمحاولة) يذكر فيهما تنامي الحس الثوري في صنعاء على العهد الأحمدي وهي واحدة من الحركات الشعبية المتلاحقة هنا وهناك.
ثم يأتي الفصل السادس تحت عنوان (ثقافة الثورة) وفيه يبرز المؤلف محللا أديبا ماهرا ناهيك عن كونه شاعرا في المحاور الستة التي تناولها الفصل وهي (الأطوار التي تعاقبت من ثورة سبتمبر) و(مرايا جديدة لوجوه قديمة) و(رواية الرهينة بين الفنية وغياب خبرة الفنان) و(ثقافة الأحداث) و(كانوا ثوارا) و(ما كانوا ثوارا) وفيه يؤكد الصراع الثقافي والمساجلة والثورة الجدلية حول الأهم والمهم في النظام في أعمدة الصحف سواء في صنعاء أو تعز أو عدن في مقائل القات تماما كما يحدث اليوم، وقد كان عام 84م و 85م معرض نشاط ثقافي في صنعاء، فقد صدر كتب (اليمن الجمهوري) للمؤلف أيضا وتلاه غير واحد من الإصدارات التي كتبت عن الثورة وأهمها (ثورة اليمن) لعبد الغني مطهر و(رياح التغيير في اليمن) لأحمد الشامي و ينتهي بذكر الثوار والأسباب التي أدت إلى تبدل أهداف عدد منهم في محوريه الأخيرين.
أما حديثه عن رواية الرهينة التي كانت مسرحا لأحداث ثورية حساسة وما أحدثته من جدل واسع واستنكار لصورة التاريخ اليمني المشوهة بما ذكرته تلك الرواية؛ فالمؤلف حين يقر بجودة سبك الرواية ومكانتها بين الروايات اليمنية عالميا فإنه يؤمن بنقائصها ومن تلك الملاحظات التي ذكرها تسمية راوي الرهينة بطل روايته وهي امرأة بالشريفة حفصة مما يشير إلى قلة اختبار الروائي بثقافة أهل البيت الذين لا يسمون حفصة لاعتبارات مذهبية واجتماعية، ويخلص إلى اعتبار تلك الشخصية (الشريفة حفصة) رمزا للشعب مساندا رأي د. شكري عزيز.
وكما ذكرنا سالفا فالكتاب واسع الحديث متعدد المحاور غزير الجوانب لذا نكتفي في هذا العدد بعرض هذه المحاور على أن نكمل عرض الفصول الأخرى في العدد القادم ونختم هذا العرض الموجز بآخر بيتين ذكرهما المؤلف في الفصل السادس من كتابه:
عشتُ إيماني وحبي أمميا ومسيري فوق دربي عربيا
وسيبقى نبض قلبي يمنيا لن ترى الدنيا على أرضي وصيا