لماذا سيفشل الرهان السعودي في اليمن بعد مقتل زعيم المليشيات صالح؟
متابعات/الهدهد
من يراهنون على حراك شعبي وقبلي في اليمن ضد أنصار الله بعد مقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح واهمون ويمنون أنفسهم بأماني لن تتحقق لأن البوصلة التي تحكم المزاج الشعبي والقبلي اليمني منذ حوالي ثلاث سنوات هي التصدي للعدوان السعودي الهمجي المنفلت من عقاله المدعوم أمريكياً وبريطانياً وإسرائيلياً.
لن يتحرك الشعب اليمني ولا حزب المؤتمر الشعبي ولا قبيلة حاشد ولا أي من القبائل لمصرع صالح لأنه لم يخن أنصار الله وتحالفه معهم فحسب بل خان قضية الشعب اليمني في مقاومته للعدوان الفاشي السعودي الذي قتل وجرح عشرات الآلاف من المدنيين ودمر البشر والحجر ووضع اليمن في دائرة المجاعة والأمراض الفتاكة ودمر البنية التحتية والمؤسسات الصحية والتعليمية والخدمية عندما أعلن تحالفه مع آل سعود وفتح صفحة جديدة معهم ، وباشر الانقلاب العسكري على حلفاء الأمس .
لقد كان صالح ينتظر الدعم العسكري الفوري المباشر ضد أنصار الله -الذين وصفهم ” بالمليشيات التابعة لإيران – لكن هذا الدعم لم يحصل جراء حسم أنصار الله المعركة ضد الانقلاب في زمن قياسي ما أفشل أية إمكانية لقوى العدوان للقيام بإنزال جوي عسكري في العاصمة صنعاء لإسقاطها.
علي عبد الله صالح الذي كان له مواقف قومية داعمة للعراق في مواجهة العدوان الأمريكي إبان حكم الرئيس الشهيد صدام حسين ومواقف داعمة للحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني والذي وصف بالدهاء والمكر والذكاء السياسي تصرف بغباء سياسي ملحوظ عندما اتخذ قراراً بنقل البندقية من كتف المقاومة إلى كتف الأعداء في لحظة سياسية فاصلة لحظة اتسمت بنجاح الشعب اليمني ومقاومته الباسلة في إفشال أهداف العدوان وإحراج التحالف السعودي وتعريته أمام الرأي العام الدولي ما أدى إلى سخط القبائل والشعب اليمني وسخط أوساط واسعة في الحزب الذي يرأسه حيث أن ردة الفعل الشعبية على مصرعه كانت ضعيفة جداً لا بل أنها لا تكاد تذكر.
ولعل إقدام أنصار الله على دعوة مليونية للاحتفال والشكر لله بوأد المؤامرة والفتنة في اليوم التالي لمقتل صالح ومن ثم تلبية الجماهير لهذه الدعوة كان بمثابة اختبار للوضع الأمني وللمزاج الشعبي بشأن مصرع علي عبد الله صالح.
قد يعتقد البعض في الداخل اليمني وفي التحالف السعودي أن الجيش قد يتحرك لاحقاً ضد أنصار الله للثأر للرئيس الراحل علي عبد الله صالح لكن هذا البعض يتجاهل مسائل محددة وهي:
أولاً : أن الجيش اليمني كهيكلية وطنية لم يعد محسوباً على الرئيس السابق الراحل كما تردد وسائل الإعلام الخليجية والغربية بل أصبح جيشاً للدولة والشعب اليمني منذ بدء الحرب العدوانية الفاشية السعودية على اليمني خاصةً أن هذا الجيش تمت إعادة هيكلته منذ تشكيل المجلس السياسي الأعلى برئاسة صالح الصماد وتشكيل حكومة وطنية يشارك فيها بشكل رئيسي كل من أنصار الله وحزب المؤتمر الشعبي.
ثانياً : أن هذا الجيش لو كان على قناعة بانقلاب علي عبد الله صالح لشارك فيه وتدخل في اشتباكات صنعاء منذ اليوم الأول لانتفاضة صالح الانقلابية فالرئيس صالح اعتمد على ميليشيات محسوبة عليه وعلى المئات من أنصاره في حزب المؤتمر ومن خارج المؤتمر الشعبي ولم يعتمد على الجيش اليمني.
لقد ناشد صالح القيادات الوطنية في الجيش اليمني بعدم تنفيذ تعليمات أنصار الله في إشارة واضحة منه واعترافاً منه أن الجيش بقيادته ورئاسة أركانه باتت تتبع المجلس السياسي الأعلى برئاسة الصماد.
ثالثاً : أن الجيش الذي لعب ولا يزال يلعب دورا مركزياً للتصدي للعدوان السعودي وفق عقيدة وطنية قتالية راسخة لحماية الوطن والشعب ولإفشال أهداف العدوان والذي قدم مئات الشهداء لن ينقل البندقية من كتف إلى أخرى ولن يتحول إلى أداة بيد قوى العدوان ضد رفاق السلاح في اللجان الشعبية وأنصار الله.
أما الرهان السعودي والرجعي العربي والغربي، على تحرك حزب المؤتمر الشعبي ضد أنصار الله ثأراً لمقتل علي عبد الله صالح فقد سقط هو الآخر لعدة اعتبارات أبرزها :
أولاً : أن قيادات رئيسية وازنة في المؤتمر الشعبي لم تدعم انقلاب وانتفاضة صالح ضد أنصار الله وعلى رأسهم قاسم لبوزة نائب صالح الصماد رئيس المجلس السياسي الأعلى.
ثانياً : أن معظم قيادات وكوادر حزب المؤتمر الشعبي رفضت فتح صفحة جديدة مع قوى العدوان ووقعت في خانة الإحراج جراء خطاب رئيس المؤتمر وراحت تداري حرجها عندما أعلنت في بيان لها أن خطاب صالح جرى فهمه بشكل خاطئ .
ثالثاً : لأن حزب المؤتمر الشعبي في غالبيته حزب وطني ولا يمكنه الوقوف في صف أعداء الوطن والشعب ناهيك أنه لو اتخذ موقفاً مغايراً سيخسر قاعدته الشعبية.
رابعاً : لأن أنصار الله فرقت من اللحظة الأولى للانقلاب بين ميليشيات صالح وبين حزب المؤتمر الشعبي وأعلنت على لسان عبد الملك الحوثي ومحمد البخيتي وغيرهما أنهم مع شرفاء الحزب في ذات الخندق في حين أعلن رئيس اللجنة الثورية العليا محمد علي الحوثي في المهرجان المليوني أن حزب المؤتمر الشعبي حليف أساسي ورئيسي لهم في مواجهة العدوان وشريك أساسي لهم في الحكومة.
خامساً : لم يصدر حتى اللحظة تصريح واحد من قيادات المؤتمر بعد مقتل صالح بشأن الانسحاب من التحالف مع أنصار الله واللجان الشعبية ، أو بشأن الانسحاب من الحكومة.
قد تحدث بعض التحركات الغاضبة لاحقاً احتجاجاً على مقتل الرئيس علي عبد الله صالح لكن هذه التحركات تظل محدودة ولن تغير من الصورة العامة ممثلةً بالتماسك الوطني والاجتماعي في مواجهة العدوان خاصةً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن قوى أساسية هامة مثل الناصريين وغيرهم، وقفوا إلى جانب أنصار الله ناهيك أن حزب الإصلاح ” الإخوان المسلمون” ليس بوسعهم أن يتحركوا أو يحركوا الشارع ارتباطاً بمسألتين هما : ( أولاً) لأنهم كانوا خصوماً أساسيين للرئيس الراحل ( وثانياً) لأنهم مصنفين من قبل أطراف التحالف السعودي ” كقوى إرهابية”.
بقي أن نشير أن أنصار الله معنيون جداً بالحفاظ على تحالفهم مع حزب المؤتمر ونسج أوثق الصلات معه ومع بقية القوى السياسية في البلاد لإدراكهم بأنه رغم قوتهم العسكرية التي تطورت في مجرى الصراع ضد العدوان بأن اليمن لا يمكن أن يحكم بدون مشاركة قوى سياسية أخرى وأنهم بحاجة لغطاء سياسي في مواجهة تحالف العدوان السعودي الأمريكي البريطاني المدعوم إسرائيلياً .
كتب : عليان عليان – كاتب وسياسي فلسطيني