قرار ترامب الاستفزازي: الآثار والتداعيات
شكل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاستفزازي والأرعن، بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس تحدياً كبيراً للعالم بأسره، وللعالمين العربي والإسلامي بشكل خاص، وحوّل أنظار العالم مرة أخرى إلى جوهر الصراع في المنطقة، وبوصلته الأساسية أي فلسطين والقدس.
قرار ترامب: الآثار والتداعيات
حاولت أن أبحث عن أسباب هذا التوقيت الذي انتقاه ترامب، وفريق عمله المقرب منه في الصحافة الأميركية والغربية لمحاولة فهم الخلفيات، والدوافع وراء ذلك، فوجدت أكثر من وجهة نظر تتناول هذا الموضوع، ومنها ما نشره موقع «ميدل إيست آي» البريطاني الذي تحدث إلى خبراء من مختلف الاتجاهات السياسية فأعطوا أربعة احتمالات:
الاحتمال الأول: أن ترامب يُنفذ وعداً من وعوده الانتخابية، وقراراً اتخذه الكونغرس الأميركي عام 1995، وكان كل الرؤساء الأميركيين منذ بيل كلينتون يراجعون القرار كل ستة أشهر، ولا ينفذونه، بمن فيهم ترامب الذي أجلّ تنفيذ القرار في حزيران الماضي.
الاحتمال الثاني: يريد ترامب أن يلبي وعده لقواعد انتخابية دعمته، ومنها «لجنة العلاقات العامة الأميركية الإسرائيلية – آيباك» أي اللوبي الصهيوني القوي جداً، والنافذ في مختلف دوائر القرار الأميركية، حيث قدم لهم وعداً في آذار من العام الماضي، وحسب المعلومات فإن أحد كبار ممولي حملة ترامب الانتخابية، وأحد كبار مالكي نوادي القمار في لاس فيغاس شيلدون أديلسون كرر الطلب إلى ترامب في جلسات خاصة بضرورة تنفيذ هذا الوعد، وخاصة أن «المسيحيين الإنجيليين» دعموا ترامب بنسبة عالية من الأصوات، وهم يؤمنون بضرورة هدم الأقصى، وبناء الهيكل باعتبار ذلك من علامات نهاية العالم، وظهور المسيح حسب زعمهم.
الاحتمال الثالث: يريد ترامب تحضير الفلسطينيين للمرحلة القادمة، أي تنفيذ ما سُمي «صفقة القرن»، وقد بدأ بالأعقد، والأصعب والأكثر حساسية أي القدس، وجرى التمهيد بإجراءات ضغط منها: إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وقف التمويل للفلسطينيين.. الخ، بهدف التحضير لهذه الصفقة المزعومة، ولذلك لابد من تحضير الرأي العام، والرئيس محمود عباس قبل إعلانها!
الاحتمال الرابع: ويجري الحديث فيه عن أن مستشاري ترامب وعلى رأسهم صهره جاريد كوشنير، وموفده للمنطقة جيسون غرينبلات، ومستشارين آخرين قدموا له نصحاً متحيزاً، وغير دقيق باعتبارهم من أكثر المنحازين والموالين لكيان الاحتلال.
وتقول أوساط أميركية: إن هؤلاء مع شخصيات في مكتب رئيس وزراء الكيان المحتل بنيامين نتنياهو لم يخططوا أبداً لتقديم حل واقعي، ومقبول للفلسطينيين على الدرجة الأولى، على الرغم من حديثهم عن حل الدولتين، لأن هؤلاء الوسطاء جميعهم عنصريون تجاه الفلسطينيين والعرب والمسلمين، ويتبنون وجهة النظر الإسرائيلية التاريخية 100 بالمئة من دون أي اعتراف بأي حقوق وطنية وإنسانية للشعب الفلسطيني.
الآن: بغض النظر عن مدى صدق هذه التحليلات وصحتها، فإنني أحاول أن أنقل للقارئ ما يجري تداوله في الإعلام الغربي، بهدف فهم خلفية ما يُروج وما يكتب عن ذلك.
موقع «ذاهيل» الأميركي الوازن، اعتبر أن قرار ترامب من أخطر القرارات التي اتخذها على الإطلاق، لأنه لا يقدم دعماً دبلوماسياً غير مسبوق للادعاءات الإسرائيلية بالنسبة للسيطرة الكاملة على المدينة المقدسة فحسب، وإنما يشجع حكومة نتنياهو على الاستمرار بالسيطرة على فلسطين التاريخية، والتنكر لحق الفلسطينيين بالسيادة فوق أي جزء من فلسطين، مع إنكار كامل لحقوقهم الوطنية والإنسانية، ويدفع المتطرفين الإسرائيليين ويحفزهم، لإزالة الأماكن الإسلامية المقدسة في المدينة، وبناء الهيكل حسب اعتقادهم، ما سيؤدي لحرب دينية واسعة.
ويرى الموقع الأميركي أن القرار سيعزز نظام الفصل العنصري غير العادل تجاه الفلسطينيين ليس في القدس فقط، إنما في الضفة الغربية أيضاً، وخاصة أنه ينهي قرابة 50 عاماً من المعارضة الرسمية الأميركية لأعمال إسرائيل غير الشرعية في القدس الشرقية والتي تخضع لاتفاقية جنيف الرابعة بشأن واجبات قوات الاحتلال، وهذه السياسة الأميركية ظلت مستمرة منذ عهد إدارة الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون 1969 التي رفضت عمليات التهجير ومصادرة الأراضي والاستيطان فيها أو التغيير في المباني التاريخية، أو الأماكن الدينية.
كما ينهي حوالي 70 عاماً من السياسة الأميركية، والتوافق الدولي الذي يرفض الادعاءات الإسرائيلية بالسيادة على أي جزء من القدس، باعتبار أن الجمعية العامة للأمم المتحدة أوصت عام 1947 بتقسيم فلسطين إلى دولتين، وأوصت بالقدس مدينة دولية تدار من الأمم المتحدة «وهو قرار لم يُنفذ إطلاقاً»، وإنما عملت إسرائيل بالاحتلال والتآمر والتواطؤ، على فرض الأمر الواقع حتى وقتنا هذا.
ويخلص الموقع الأميركي للقول: إن الاعتراف بالقدس كعاصمة يحاول أن يقول إن كل إجراءات إسرائيل بالتطهير العرقي للفلسطينيين صحيحة، أي إن كُل من طرد من غربي المدينة من الفلسطينيين كان طرده قانونياً.
بغض النظر عما تقدمه الدوائر الغربية والأميركية، لخلفيات القرار الأرعن، فإن ما قدمناه هدفه المعرفة، والإطلاع لفهم ما يُطرح وما يسوق، وأعتقد أننا أمام الصورة التالية:
1- رفض دولي واسع للقرار الأميركي ظهر ذلك في جلسة مجلس الأمن، وكل دولة لها أسبابها، ومسوغاتها المرتبطة بمصالحها، ورؤيتها للواقع في المنطقة.
2- رفض عربي مهزوز شاهدناه في اجتماع الجامعة العربية، فإذا أخرجنا المواقف العراقية، واللبنانية، والجزائرية، فإن بعض الدول العربية للأسف هي من دعم سراً قرار ترامب قبيل إصداره، وواضح أن البعض روج لذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي كمواقع سعودية مدعومة من محمد بن سلمان، وغيرها من مواقع، وصحف عربية.
الظاهر تماماً أن هناك اتجاهاً تقوده السعودية، والإمارات والتابع، نظام البحرين، للتطبيع، وإنجاز ما يسمى صفقة القرن، ولهذا كان إمام المسجد الحرام بعد قرار ترامب يُنظّر لـ«فقه مسح الجوربين، ودور المرأة في الإسلام» ونسي القدس، الأمر الذي يجعل صفة خادم الحرمين الشريفين صفة ساقطة من الناحيتين الأخلاقية، والدينية، والسياسية.
3- على صعيد الواقع الإسلامي فإن إيران لم تتردد في إعلان رفض القرار، باعتبار أن قضية فلسطين، والقدس هي أولوية بالنسبة لها منذ قيام الثورة الإسلامية الإيرانية، ولم تتوقف عن دعم الشعب الفلسطيني، وأما تركيا فلقد وجد الرئيس رجب طيب أردوغان في قضية القدس، والقرار الأميركي فرصة ذهبية لالتقاط الأنفاس، وإعادة تعويم دوره في العالم الإسلامي، ولدى الشارع المتدين في تركيا لأسباب انتخابية، ولشد العصب القومي وخاصة أن تركيا ستشهد قمة لمنظمة التعاون الإسلامي يترأسها أردوغان باعتباره رئيساً لهذه الدورة، بينما يبدو أن تمثيل السعودية سيكون ضعيفاً، ومصر على مستوى وزير الخارجية.
كان لافتاً موقف هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، وهو موقف يُبنى عليه، وخاصة أنه يحظى بدعم الكنيسة القبطية، أي يُعبر عن موقف وطني مصري واضح، الأمر الذي يمايز بين الموقفين المصري، والسعودي بشكل واضح.
إعلان محور المقاومة بلسان الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله عن إستراتيجية جديدة عملانية، واقعية، سياسية، وإعلامية، يؤشر بوضوح إلى أهمية هذه اللحظة التاريخية، وضرورة التقاطها وتطويرها، باتجاه إنتاج حالة واسعة من التضامن، والتفاعل، والفعل نحو القضية المركزية فلسطين، ونحو القدس باعتبارها قضية فلسطينية، عربية، إسلامية، مسيحية، إنسانية، وإذا ما نجح محور المقاومة في تنفيذ هذه الاستراتيجية، فإن ذلك سيشكل نقطة تحول إستراتيجية يتم من خلالها الاستفادة من التهديد لتحويله إلى فرصة، وهو التهديد نفسه الذي عانت منه شعوب المنطقة، وخاصة في سورية والعراق، من خلال داعش وأخواتها، فتحول إلى فرصة قوّت محور المقاومة، وكشفت أوراق الخصوم والأعداء، ونقلت المنطقة باتجاه مواجهة الخطر الأساسي والجوهري، وهو كيان الاحتلال، وداعموه السريون، والعلنيون.
لم تخطئ الفايننشال تايمز في 7 كانون الأول الجاري عندما اعتبرت أن قرار ترامب حول القدس هو «تخريب دبلوماسي» لأنه قلل من قيمة الولايات المتحدة في أعين العالم، ووحد المسلمين ضد إسرائيل، في الوقت الذي كانت فيها المشاعر المعادية لإسرائيل ضعيفة نسبياً، وعقد من مهمة السعودية، وهو ضربة للسعوديين، ولمحمد بن سلمان الذي كان يعمل مع كوشنير ومبعوثه للمنطقة على خطة سلام جديدة، والأهم أن القرار نسف أي فكرة حول إمكانية أن تكون وسيطاً نزيهاً في مفاوضات السلام!
أعتقد أن الأهم الآن، هو الانطلاق نحو مرحلة جديدة تعتمد على ما قاله الرئيس بشار الأسد للملتقى العربي الذي عُقد في الشهر الماضي في دمشق، أي: «التنظيم، المنهجية، الواقعية»، والحمد لله الذي جعل من أعدائنا حمقى.
بسام ابو عبدالله – الوطن