رأيٌ في فـساد المنظّمات
الهدهد / مقالات
عبدالله علي صبري
أرقامٌ وأساليبُ مخيفةٌ كشفت عنها المفوضيةُ اليمنية للشئون الإنسانية في مؤتمر صحفي سلّط الضوءَ مؤخّراً على الفساد الكبير المصاحِبِ لأداء الأمم المتحدة ومكاتب المنظّمات التابعة لها في اليمن. وبرغم معرفتنا بفسادِ المنظّمات إلا أنَّ الحجمَ المهولَ الذي أعلنته صنعاءُ مؤخّراً والفارقَ الكبيرَ جِـدًّا بين الدعم المعلَن وبين ما ينفّذ على أرض الواقع يقودُ المرء إلى الخروج عن طوره مهما حاول أن يكون متزناً وحصيفاً.
إنَّها جريمةٌ بشعةٌ بحق الإنسانِ اليمني تضافُ إلى رصيد الانتهاكات المتوالية التي يتجرعها شعبنا منذ بدء العدوان صابراً ومحتسباً بانتظار صحوة ضمير دولية لم تأتِ بعدُ.
الملياراتُ من الدولارات جرى تحويلُها للأمم المتحدة وللمنظّمات المرتبطة العاملة معها في اليمن؛ بهدَفِ تخفيفِ وَقْعِ الكارثة الإنسانية على النازحين والمشرّدين والجوعى والجرحى، إلا أن مصاصي الدعم كانوا لها بالمرصاد.!
موازناتٌ تشغيلية، وسفرياتٌ، ولوجستيات، وعمولات من تحت الطاولة كانت بمثابة الفيروس أَو السوس الذي ينخرُ في جسد الدعم والمنح الدولية، ولولا حاجةُ لصوص المنظّمات لتقاريرَ توثّق أعمالهم وتستدر المزيدَ من الدعم لَمَا وصل إلى الشعبِ من غيثِ المساعدات شيءٌ.
لقد استغلت الأممُ المتحدة الحالةَ اليمنية غير المسبوقة، فالحصارُ الشامل والجائر الذي فرضته قوى تحالف العدوان حال دون وصول أية مساعدات للشعب اليمني إلا عبر الأمم المتحدة، ما منح الأخيرة فرصة التحكم في تصريف المساعدات وآليات توزيعها، مستغلةً انشغالَ الدولة والمجتمع في اليمن بمواجَهة العدوان والتفرغ لموجبات ومتطلبات المعركة العسكريّة، على اعتبار أن الحربَ شكّلت تهديداً وجودياً استوجب استنفار كُـلّ الطاقات في مواجهتها قبل كُـلِّ شيء.
خلا المسرحُ للمنظّمات، وقد عرفت أنها شريانُ الحياة الوحيدُ المتبقي لليمنيين، فرفعت من سقف الطلبات وأمكن لها أن تقرعَ جرسَ الإنذار وهي تتحدث عن أكبر كارثة إنسانية في العالم. وفي غفلةٍ من الزمن نسجت المنظّماتُ وكبارُ اللصوص فيها خطةً محكمة، وأمكن لها التلاعُبُ بهذه المنح والمساعدات ليصُبَّ الرقمُ الأكبرُ منها في جيوب الفاسدين.
والآن وقد أمكن للحكومة اليمنية أن تفتحَ المِلف المسكوت عنه وتكاشف الرأيَ العام المحلي والدولي بحقيقة ما يجري.. أليس من حقنا أن نسألَ: ماذا بعد؟
نعم، ماذا بعد؟ وهل يكفي أن نشيرَ بالبنان إلى فساد الأمم المتحدة ومنظّماتها، ثم نعودُ أدراجنا؟
لا شك أن القيادةَ السياسيةَ وهي تدرك خطورةَ هذا المِلف، قد استعدت للخطوات التالية، خَاصَّةً أنها سبق وأعلنت عن المرحلة الأولى من رؤية محاربة الفساد وبناء الدولة.
لكن، ليطمئنَ قلبي وقلوبكم.. ثمة سؤالٌ يراودُني بحثا عن جواب شافي:
هل يمكن أن يكونَ فسادُ هذه المنظّمات من طرف واحد؟
لا شَــكَّ أيضاً، أن ثمّة منظّماتٍ وشركاءَ محليين كانوا جزءاً من هذا الفساد_ الجريمة..
ولا شَــكَّ كذلك أن مفوضيةَ الشؤون الإنسانية قد كشفت عدداً من المنظّمات والشركاء المحليين الذين ما كان لفساد الأمم المتحدة أن يستمر ويتضخم على هذا النحو دون علمها..
والسؤال الثاني الذي يطرحُ نفسَه، هل يمكن أن تمُـــرَّ جريمةٌ كهذه دون مساءلة ومحاكمة أطرافها المحليين؟
إنْ كانت الإجابة بـ “نعم”، فذاك هو المعتادُ مع كُـلِّ السلطات السابقة؟
وإنْ كانت بـ “لا”، فإنّا لمنتظرون..!