النباء اليقين

“ثقافة الإنزواء”

الهدهد / مقالات 

فاضل الشرقي

أكبر مشكلة كانت لدى بني إسرائيل هي ثقافة الإنزواء، وتمجيد وتعظيم الذات، والعلو والتعاظم على بقية البشر، نتيجة لمفاهيم خاطئة، وتثقيف مغلوط حول مفهوم ومعنى الإصطفاء إلى الدرجة التي قالوا فيها “نحن أبناء الله وأحباؤه”، وكأن الإصطفاء تمييز عرقي داخل البشر، كما يقول السيد حسين بدرالدين الحوثي “رضوان الله عليه”، وهذه الدرجة من الإنزواء والإنكفاء على الذات، والتعاظم الذاتي والأناني لم يسبق إليها إلا الشيطان الرجيم في أول عملية فرز عنصري، وتمييز عرقي، عندما قال “أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين”، وهذا شعور شيطاني يتعاظم في النفس يوما بعد آخر حتى يرى الإنسان نفسه في مقام من العلو والعظمة لا يدانيه ولا يضاهيه فيه أحد على الإطلاق.

هذه المشكلة الثقافية الخطيرة “ثقافة الإنزواء” التي تجعل الشخص لا يرى إلا ذاته، ولا يبصر إلا نفسه، فتولد لديه مشاعر الكراهية والإستحقار والإزدراء للآخرين، وهذه الثقافة، وهذا الشعور عندما حصل منه شيء بسيط من قبل الملائكة مع آدم عليه السلام، فلم يروا فيه إلا مجرد مفسد في الأرض، مع تعظيم كبير لأنفسهم “ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك” هذا التعظيم أدى بهم في الأخير أن يخروا سجدا لآدم، ومثله حصل ليوسف مع إخوته يوما ما.

هذا الشعور، وهذه الثقافة تتنافى مع مسيرتنا، ومنهجيتنا، وقيادتنا القرآنية، فالشهيد القائد يقول أن أي علو وأي رفعة بعيدا عن الإيمان والتقوى والعمل الصالح لا قيمة له، بل هو الإنحطاط بعينه، وكلام السيد القائد العام الماضي في “يوم المرأة العالمي” في ذكرى ميلاد الزهراء سلام الله عليها في غاية الأهمية والوضوح.

لقد أدت هذه الثقافة الخاطئة إلى خلق رؤية ونظرة غريبة لدى بني إسرائيل عن البشر، حتى وصل بهم الحال إلى عدم الإعتراف بأخيهم وأبناء أخيهم إسماعيل عليه السلام، ولا تزال هذه العقدة “عقدة الذات” هي المسيطرة على سلوكهم وأعمالهم إلى يومنا هذا، وهذه العقدة الثقافية، والزهو والفخر والتعالي أوصلهم للحضيض، وبقدر هذا العلو كان الإنحطاط والسقوط المدوي، وهذه الثقافة هي التي حالت بينهم وبين الإيمان برسول الله وكتاب الله القرآن الكريم، يقول الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي “رضوان الله عليه“:

كانت الإشكالية لدى بني إسرائيل إشكالية ثقافية: إنزواء في ثقافتهم على أنفسهم لدرجة أن الله يحكي عنهم أن عندهم بأنه لا يمكن أن أمة من الأمم الأخرى أن تعطى فضلاً من الله ورحمة وأنهم هم الفئة الوحيدة التي لا يصلح للدين إلا هم، حتى على ما هم عليه، أنه لا يوجد أمة غيرهم يمكن أن تنهض بدين ولا أن تتحمل مسئولية ولا أن يكون فيها نبوة أبداً إلا هم . هناك ثقافة إنزوائية على النفس وتضخيم لوضعيتهم ولمقامهم وأشياء من هذه، فكان مجرد الحادثة هذه: أن يأتي نبي من غير بني إسرائيل في حد ذاتها تشكل لديهم قضية كبيرة“.