عملية “البنيان المرصوص”: هزيمة استراتيجية لتحالف العدوان
الهدهد/مقالات
شارل ابي نادر
هي ليست العملية البرية الاولى التي تنفذها وحدات الجيش واللجان الشعبية اليمنية في مواجهة تحالف العدوان على اليمن ، فهناك الكثير من العمليات المشابهة التي سبقت عملية “البنيان المرصوص”، والتي أعلن عنها بالأمس المتحدث اليمني العسكري العميد يحيى سريع، ولكن يبقى لهذه العملية الاخيرة مضمونا خاصا ومميزا، نظرا لما حققته من انجازات لافتة ومؤثرة، تضاف الى تراكم الانجازات التي حققتها حتى الان القوات المسلحة اليمنية، بمواجهة تحالف العدوان على اليمن خلال خمس سنوات تقريبا من معارك الصمود والدفاع الشرسة.
في البعد الميداني
– لناحية المساحة: حققت عملية البنيان المرصوص بعد عدة ايام من العمليات القتالية الممنهجة والمدروسة ، تحرير مساحة قُدِّرَت بحوالي 2500 كلم مربع في المثلث الحدودي المشترك للمحافظات اليمنية الاستراتيجية (مأرب ـ صنعاء ـ الجوف)، بين مديريات نهم ومجزر والمصلوب وصرواح، بالتحديد في فرضة نهم ومفرق (الجوف – مأرب – نهم)، وهذه المساحة الضخمة لوحدها، من دون الاهمية الاستراتيجية لما تحضنه من اهداف، تعتبر انجازا مهما على طريق تحرير كافة المناطق اليمنية.
– لناحية الموقع: تشكل المنطقة المحررة، العمق الاستراتيجي لمناطق الاشتباكات الاكثر اهمية، بين شرق وشمال شرق صنعاء وجنوب غرب الجوف وغرب مأرب، وطالما كانت هذه المنطقة الشرقية الوسطى هي الاخطر والاكثر حساسية خلال كامل فترة العدوان على اليمن، فهي بقعة أمان صنعاء العاصمة وخط الدفاع النهائي عن مداخلها الشرقية والشمالية الشرقية، ولا ضرورة لذكر ما تمثله سيطرة العدوان على صنعاء العاصمة لو حصلت، من أهمية أساسية في أهداف العدوان اقليمياً ودولياً.
– لناحية التكتيك والمناورة: بنى الجيش اليمني واللجان الشعبية مناورتهم في عملية البنيان المرصوص على تكتيك: (1) احتواء الوحدات المهاجمة(2) محاصرتها في بقعة الروع او القتل(3) تنفيذ المهاجمة العكسية على كامل جهازية العدو(4) استغلال النجاح والسيطرة على الارض ، وهذه المناورة تعتبر من الاصعب قتاليا، حيث تحمل الكثير من المخاطر في السماح للوحدات العدوة بالدخول في بقعة عمل الصديق، خاصة واننا نتكلم عن مساحة واسعة ، تعطي الامكانية لوحدات العدو بالمناورة والقتال.
في البعد العسكري
اذا اعتبرنا ان خسارة العدوان لجغرافيا حيوية تمتد على مساحة 2500 كلم مربع، يمكن وضعه في خانة البعد الميداني، فان خسائر العدوان في هذه العملية والذي حدده المتحدث العسكري اليمني ببضعة الاف من المقاتلين بين قتيل ومصاب واسير ومعتكف عن القتال لاسباب نفسية ومعنوية ، وبين دحر 17 لواء و20 كتيبة، واغتنام عتادها بالكامل، فان هذه الخسارة لها بعد عسكري مهم يحدد كالتالي :
– لناحية العديد: إن اخراج آلاف المرتزقة من المعركة، وفي هذا التوقيت بالذات حيث انسحبت اغلب الوحدات السودانية من القتال، يعتبر ضربة قوية لتحالف العدوان ولقدرته البشرية، لانه من الصعوبة تعويض هذا العدد واعادة تنظيم وزج الحشد البديل في وقت قصير، خاصة وان هؤلاء المقاتلين والمنظمين في هذه الوحدات التي دُحِرَت ، قد استغرق تجميعهم وتحضيرهم لمعركة مهاجمة صنعاء وقتا طويلا.
– لناحية العتاد : ليس سهلا ما تم الاستيلاء عليه من عتاد واسلحة واليات، والتي من المفترض ان تكون مجهزة بها عشرات وحدات القتال (17 لواء و20 كتيبة)، واهمية الموضوع ان خسارة تحالف العدوان في هذا العتاد الضخم هي خسارة مزدوجة لانه لم يُدَمَّر بل حصلت عليه وحدات الجيش واللجان الشعبية اليمنية، ومن الطبيعي انه سيشكل نواة مهمة لتجهيز عدة قطع ووحدات عسكرية قتالية، ستضاف حتما وفي وقت قصير الى جهوزية الوحدات اليمينة من لجان شعبية وجيش وانصارالله.
في البعد الاستراتيجي
لقد حققت عملية البنيان المرصوص، بالاضافة للبعدين الميداني والعسكري، حيث تحرير بقعة جد استراتيجية مع مساحة ضخمة، وحيث مني العدوان بخسائر كبيرة في عديده وفي عتاده، حققت بُعداً استراتيجيا تمثل في النقاط التالية:
– تم انهاء اي امل لتحالف العدوان بالوصول الى العاصمة صنعاء ، حيث كانت جبهة نهم هي الوحيدة ميدانيا وعسكريا والتي ممكن ان تؤمن له هذه الفرصة ، نظرا لقربها الجغرافي من مداخل صنعاء الشمالية والشمالية الشرقية ، ولترابطها شرقا مع الحدود السعودية عبر محافظة مأرب، وما يمكن تأمينه عبرها من عديد وعتاد لدعم معركة الوصول الى صنعاء.
– لقد اثبت الجيش واللجان الشعبية وانصار الله، ان معركتهم في الدفاع عن اليمن، لا تقتصر فقط على تصنيع وتطوير الاسلحة النوعية والاستفادة منها استراتيجيا كسلاح ردع وتوازن، بل برهنوا ، وبعد سلسلة طويلة من المعارك البرية الناجحة ، توجوها اولا بعملية “نصرمن الله”، ومؤخرا بعملية ” البنيان المرصوص”، انهم يملكون القدرة والعزم على إدارة وتنسيق العمليات البرية الكبرى والانتصار فيها، وذلك بالرغم من التفوق الجوي والمدفعي للعدوان.
– لقد اثبت ايضا الجيش واللجان الشعبية وانصار الله، انهم احسنوا التخطيط والقتال في ظل ظروف ومعطيات عسكرية غير متكافئة بالاساس، وذلك من خلال اعتماد مناورة تحييد الطيران المعادي، اولا عبر تطوير وتفعيل سلاح الدفاع الجوي بالقدر الممكن، وثانيا وهذا هو الاهم ، عبر اعتمادهم مناورة الردع باستهدافهم بالصورايخ الباليستية وبالطيران المسير مواقع ونقاط استراتيجية داخل العمق السعودي، كمناورة ضغط وتحذير وتهديد لاجبار العدوان على تخفيف التغطية الجوية الى حد الغائها.