كيف استعادت صنعاء الجبهة الشرقية؟ مشهد معقّد أمام السعودية
الهدهد / مقالات
طالب الحسني
خلال 5 أيام فقط تغير المشهد كليا في الجبهة الشرقية من خارطة الصراع باليمن ، هناك تحول استراتيجي سياسي وعسكري لصالح العاصمة صنعاء وتحالف أنصار الله الحوثيين وحلفائهم ، حدث هذا بصورة مفاجئة بعد أن استعاد الجيش اليمني واللجان الشعبية مساحة عسكرية تقدر بـ2500 كيلو متر مربع بحسب المتحدث الرسمي للقوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده قبل يومين ، تشمل هذه الخارطة مديرية نهم شرق صنعاء ومديريات اخرى في محافظتي مارب والجوف ، لقد أزالت هذه الاستعادة العسكرية التهديد الذي كان بيد التحالف منذ 2016 للعاصمة صنعاء ، لم يعد هذا هو المهم فوجود قوة عسكرية على بعد أقل من 40 كيلو من مدينة مارب صار هو المهم وربما المهمة القادمة لهذه القوة .
يستلزم فهم هذه الجبهة شرح أكثر والتوسع في الكشف عن المكونات العسكرية والسياسية والاجتماعية لأن أبعاد هذه الجبهة ليست عسكرية فقط ، هي سياسية أيضا ، فمحافظة مارب باتت منذ 2015 تشكل الحاضنة والعاصمة السياسية لحزب الإصلاح ( إخوان اليمن ) سقوطها سيعني النهاية الحتمية للحزب وبالتالي القضاء على الجناح القوي “لشرعية” عبد ربه منصور هادي المزعومة ، إن تحقق ذلك سيكون هناك يمن مختلف أكثر ، سنكون أمام آخر فصول ماضي العقود الأخيرة من اليمن السياسي ، فحزب الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح ( المؤتمر الشعبي العام ) وحزب الإصلاح شكلا ثنائي الحكم والمعارضة منذ عام1990 هذان الحزبان لم يعودا بصورتيهما قبل 10 سنوات على الأقل ، فالأول تفكك منذ 2011 مرورا بمقتل زعيمه ومؤسسه علي صالح في 2017 ، الجناح الأكبر في أجنحته حليف لأنصار الله وشريك في المجلس السياسي الأعلى الحاكم في العاصمة صنعاء ، والثاني حليف رئيسي لعبدربه منصور هادي الموجود في الرياض وبالتالي حليف بالضرورة للسعودية ، لقد شكلت الحرب العدوانية الاخيرة على اليمن المشهد بصورة مختلفة نعيش فصولها حاليا .
الأسئلة المطروحة بقوة ، كيف سقطت هذه الجبهة عسكريا بيد أنصار الله الحوثيين وتحالفهم العسكري والسياسي ، باعتبار هذه الجبهة عسكرية وسياسية ؟ كيف أيضا ستجري التداعيات ، ماهي أيضا انعكاسات ذلك على التحالف الذي تقوده السعودية ؟ وماهي شروط الرياض للعودة بقوة لتحريك هذه الجبهة ، وهل هناك إمكانية لتعديل هذا الميل والوصول مرة اخرى إلى التوازن على الأقل هنا ؟
للاجابة يفترض العودة إلى 2017 هناك تكمن تفاصيل كثيرة ، البارز فيها أن الرياض وأبوظبي لم يكونا راضين بدرجة كبيرة عن هوية هذه الجبهة ، اللون الاكبر فيها إخوان بما في ذلك محافظي مارب والجوف ، سلطان العرادة والعكيمي المحسوبين على الإصلاح ، منذ 2017 نسمع اتهامات سعودية شبه رسمية بوجود فساد إداري ومالي وعسكري ، الكثير من الحللين العسكريين والسياسيين السعودييين والإماراتيين أطلقوا إتهامات من هذا القبيل من على القنوات الفضائية ولكم أن تتخيلوا ماذا يجري في الاجتماعات المغلقة ، وفي المقابل هناك إتهامات للتحالف باستهداف معسكرات من المفترض أنها محسوبة على ” الشرعية ” التي تقول الرياض وأبوظبي أنها تدعمها ، قتل خلال هذه الاستهدافات المتتالية مقتل المئات من العناصر ، الحديث هنا يجري عن تصفية وليس خلافات عادية ، لكن هذا لايعني مطلقا أن السعودية لاتريد أن تكون هذه الجبهة قوية هي بالنهاية ورقة عسكرية بيد التحالف وخسارتها يفقد هذا الأخير أهم أوراقه المتبقية من ” عاصفة الحزم “
ماتريده السعودية هو أجراء تغيير أو على الأقل إحداث توازن في ألوان حلفائها هنا ، تعيين قيادات عسكرية تابعين لهادي وغير محسوبين على الإصلاح يمكن أن يفيد لتحقيق هذا الغرض ، يبدو أن ذلك لم يحصل بسبب تمنع الإصلاح وخوف الرياض من أن يتحول ذلك إلى صراع داخل هذا المعسكر ، هذا الخيط الوحيد الذي يفسر استمرار هيمنة الإصلاح في هذا المحور ، الجدل الذي أكتب عنه في هذا الجزء مستمر منذ عامين . الآن تغير كل شيء تقريبا ، سقوط هذه الجبهة لصالح صنعاء يمنح الرياض أن تمضي في مسار تغيير الوجوه على حساب حزب الإصلاح ، ولكن بعد فوات الآوان ، مع ذلك رأينا خلال الأيام الماضية الإطاحة السعودية بهاشم الأحمر من قيادة المنطقة العسكرية السابعة ، وتعيين احمد حسن جبران ، وهذا الأخير غير محسوب على الإصلاح ، بالاضافة إلى الدفع بـ صغير بن عزيز لقيادة العمليات العسكرية في هذه المنطقة ، يعرف عن الأخيره ولاءه من الإمارات والسعودية وربما سيكون مسار التغييرات في بدايته ولا يستبعد إقالة محافظ مارب الإصلاحي سلطان العرادة وبالتالي سنكون أمام تحقيق شروط الرياض وأبوظبي أو بعض هذه الشروط .
هذا التوازن في معسكر التحالف ولكن من غير المرجح تعديل التوازن للجبهة الشرقية فمن الصعب استعادة المناطق التي خسروها خلال الاسبوع الماضي ، ما سقط ليس موقع بل جبهة مكتملة بكل جيشها الذي كان قوامه قرابة 20 لواء بعتادة العسكري الضخم ، بالاضافة إلى صعوبة جغرافية المنطقة التي سقطت ، والعامل الأهم تنامي قوة الجيش اليمني واللجان الشعبية التابعة للعاصمة صنعاء , أما الورقة الأكثر ربحية بيد أنصار الله وحلفائهم أنهم فرضوا معادلة اشتباك جديدة تتعلق بالسعي لتحييد المساندة الجوية التي يوفرها التحالف لمن يقاتلون تحت جناحه في أي منطقة من اليمن عبر استهداف السعودية بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة كلما نشطت الطائرات المقاتلة وهذا ما حصل عمليا خلال عملية البنيان المرصوص ، العملية العسكرية التي أسقطت نهم ومديريات مختلفة في مارب والجوف ، قاعدة الاشتباك الجديدة قلصت بشكل كبير جدا المساندة الجوية السعودية لأدواتها ، بالتالي هناك تعقيد لعمليات التحالف فالرياض أيضا تريد الحفاظ على جزء كبير من التهدئة التي سادت خلال الـ4 الأشهر الماضية .
القراءة هذه قد تتغير رأسا على عقب إذا قررت صنعاء استعادة مارب التي باتت قريبة جدا ، مارب هي تعني أيضا نفط وغاز وكهرباء ، الحصول على هذه الثلاث دافع آخر للعاصمة صنعاء ودافع ملح لكسر الحصار أو جزء منه .