النباء اليقين

“توازن الردع الثالثة” زمن الحساب والقصاص !

الهدهد / مقالات

عبدالرحمن الاهنومي

ليل السادس والعشرين من مارس، 2015م ، شنت طائرات العدوان التحالفي خمس غارات على حي من أحياء العاصمة صنعاء «بني حوات»، وقتلت الغارات عشرات الشهداء من المواطنين ودمرت منازلهم ، وقد وضعت الجريمة صورة مختصرة لطبيعة الحرب العدوانية التي أعلنت وقتذاك ، ومنذ ذلك التاريخ سالت في اليمن دماء كثيرة ، وقُتل يمنيون كثيرون ، نحو مائة ألف أو يزيدون على ذلك سقطوا «شهداء وجرحى»..دمرت البنى ، وعُطلت سبل الحياة ، وتشرد الخلق ، ومنذ مارس 2015م قُتل الناس في الشوارع والطرقات والأسواق ، في البيوت وفي الصلوات وفي الأعمال ، في الأفراح والأتراح ، ليلاً ونهاراً ، قتلوا اليمنيين جملة ومفرقا ، وفي كل حالاتهم وأوضعاهم وأوقاتهم وأشكالهم ومناطقهم وأعمارهم ، قتلوا الجميع بلا هوادة ونكلوا بكل حي واستباحوا كل حرمة حرمها الله.

ومنذ مارس 2015م ، تتعرض بلادنا لحرب عدوانية تحالفية تعتبر من أشد الحروب شراسة وهمجية وإجرامية ، تستخدم فيها أحدث الأسلحة وأفتكها ومنها المحرمة دوليا أدت إلى استشهاد وجرح مئات الآلاف وتدمير كامل للبنية التحتية ، ولعلنا نستذكر سجل الأحداث من الجرائم اليومية المروعة التي كان يرتكبها طيران العدوان السعودي الأمريكي في كل المناطق والمحافظات ، وقد كانت جريمة المصلوب في محافظة الجوف قبل أيام واحدة من سلسلة طويلة من الجرائم البشعة ، حيث استشهد العشرات من المواطنين بينهم أطفال حين شن طيران العدوان السعودي الأمريكي غارات مباشرة على منازلهم ،وقد جاءت عملية “توازن الردع الثالثة” لتكريس معادلة رد وردع وعقاب وتأديب حيث توعدت القوات المسلحة النظام السعودي بما هو أشد إيلاما ووجعا إذا استمر في جرائمه وحصاره البربري الغاشم ، وما تعنيه هذه العملية أنه لا نجاة للقاتل ، وأن كل جريمة لابد لها من عقاب رادع وبهذا المستوى من القوة.

منذ مارس 2015م، قتل المجرمون من آل سعود وشركائهم الجميع بلا هوادة ونكلوا بكل حي واستباحوا كل حرمة حرمها الله ، قتلوا الكبير والصغير والشيخ المسن والمرأة في دارها والأطفال في خدورهم ، الأستاذ في مدرسته والعامل في مصنعه والمزارع في مزرعته ، ولعلنا اليوم نتذكر ونستحضر صور الأشلاء والممزقين والمقطعين في طول اليمن وعرضها ، الطفل «سميح» وهو يبحث عن والده في مجزرة عرس بني قيس ، نتذكر شبانا قتلوا مع خمسين شخصا وامرأة من أهلهم ، كانوا يتحضرون لأفراحهم في سنبان ، نتذكر المرأة اليمنية الفاضلة «الماربية» التي قتلوا أسرتها في العراء وهي تجمع الحطب لتبيعه وتحصل على ما يسد رمق العيش ولظى الحياة ، نتذكر أخوانا وأهلا وعشيرة وشعبا؛ كان يذبح من الوريد إلى الوريد بالقنابل والصواريخ الحديثة والفتاكة والقاتلة والمحرمة دوليا ، نتذكر أنا فقدنا عشرات الآلاف من الشهداء ، ومئات الآلاف من الجرحى ، نتذكر لحظة تحولت صالة الكبرى إلى ركام من الأشلاء وقطع اللحم المحترقة حين قصف الطيران المعزين فيها ، نتذكر أولئك العمال الذين قتلوا في لوكندة بأرحب ، وهم آمنون ينتظرون الفجر ليذهبوا بين مزارع القات فيحصلوا على فرصة عمل يجمعوا منها قوت يومهم ، نتذكر هذا وللشعوب تاريخ لا يرحم ، وذاكرة ليست مثقوبة إطلاقا.

لقد فعلوا ذلك والعالم كله إلى جانبهم ، مجلس الأمن ، المنظمات ، الأمم المتحدة ، الجيوش والزعماء والرؤساء والحكومات والأنظمة والمرتزقة والعملاء والمخابرات ، استجلبوا الأسلحة والجيوش من كل أصقاع العالم ، واستقدموا تكنولوجيا الحروب الحديثة والسلاح الفتاك والمحرم ، فألقت به القاذفات حمما فوق رؤوسنا وعلى أجساد أطفالنا وشيوخنا ونسائنا ، حشدوا المواقف وبكل ما في الكون من لغات للتهديد والوعيد مارسوا الإرهاب النفسي والمعنوي على اليمني الوحيد..وكوَّنوا تحالفا عالميا من المال والسلاح والإعلام والسياسة ومن كل شيء يمكن أن يقتل إنسانا أو يميته جوعا..

لم يكتفوا بذلك بل حاصروا الشعب اليمني وأرادوا له الموت جوعا ، فنقلوا البنك ، منعوا الغذاء والدواء ، حرموا أطفالنا من التعليم ومن التطبيب ومن الأمن ومن حق الحياة ، تلذذوا بجوعنا ومعاناتنا وموتنا بالأوبئة وبما خلفه السلاح ، أغلقوا المطارات في وجوه المرضى والمسافرين من ذوي الحاجات والأمراض المزمنة ، ساومونا في لقمة العيش وفي الحصول على ما يسد الرمق ، ومع كل حديث عن المعاناة اتجهوا لذات الذرائع والأكاذيب..فعلوا كل هذا وكان العالم المأفون معهم وإلى جانبهم ، تحوّل إلى مقاول لديهم في قتلنا ، كنا وحدنا غرباء..إلا بحبل من الله …وألله معنا…

ناشدناهم السلام والجار والرحم والدين والعقيدة ، لكنهم استكبروا وأصروا على جرائمهم بلا اكتراث ، قدمنا المبادرات وتعاملنا بشجاعة مع السلام ومع مقتضياته ، وكان آخر ذلك مبادرة السلام التي أعلنها فخامة الأخ الرئيس المشاط ليلة 21 سبتمبر ، غير أن العدوان الأحمق فهمها في غير السياق الطبيعي وعلى هذا النحو دائما يتعامل مع دعوات السلام الذي كان خيارا ثابتا بالنسبة لشعبنا ، على أن ما بعد عملية الردع الثالثة هو زمن القصاص العادل .. فدمنا أغلى من نفطكم.