النباء اليقين

حشرجات الحزن في ذكرى الرحيل

كتبت / سعاد الشامي

دعوني ارتل آهات أنفاسي ، تلك التي تحاول إحتساء السماء بشهيق واحد ، ليصل نشيجها إلى سبع سماوات ليستفيق الغيم وتمطر السحابة بدمعة …

دمعة تسقط لتحفر اسم الحسين في أوردة القلوب المتعطشة إلى الهدى لتزهر إيمانا ووعيا وتنبت فيها ثمار العزة والكرامة كما نبتت في الراحتين الأصابع .

أيتها الحشود الكثيفة من الحزن مرحبا بك في ساحات قلبي الذي أعلن حالة النفير ، فهاهي مشاعري هبت بأكملها لتؤدي فريضة الحزن في ذكرى رحيل الشهيد القائد ..

فلا تلوموني أن صار قلبي اليوم كبحر اسود كئيب مضطرب ، تمخر عبابه بواخر الاحزان ، وتتقاذفني أمواجه الغاضبة في كل اتجاه، لتقيم بين اضلعي الف الف مذبحة !!

ولاتستغربوا أن صار حزني متكئا على حرفي ويقوده ليعتلي عرش احساسي المذبوح بكرب وبلاء مران ، إن سمع الجميع أنين حناجر قلمي وهي تلقي بالآمها على وجه هذا المقال .. فمن ذلك الذي يخمد ألمه وفي صدره حفنة براكين ؟!

فلا بأس أن حملت اليوم حزن يعقوب ، وأمل يوسف، فلم أجد متنفسا لهمي ، أوسلوة من ألمي ، واستنجدت بالدمع من لوعة حزني ، فضمر جسمي وشحب وجهي ، وصرخت بصوت وجيع “وآسفاه على حسين العصر “

ولابأس أن حملت حزن الحسين بن البدر الذي عقد كل صفقاته مع القرآن ، فلم يغض طرفه عن حال هذه الأمة التي لفحت نيران الضلال وشرر الغواية أفئدة أبنائها ، فحادوا عن دروب الهداية وسلكوا مسارات الاستعباد والمهانة ، فتلظى قلبه من شدة الألم والحسرة واستعرت بداخله حمم القهر على هذه الأمة المؤبوة بفيروس الذل الذي أفقدها عافيتها وصحتها فصارت أمة هزيلة ، ضريرة البصيرة ، شحيحة العطاء ، باهتة الألق ، تحتضر تحت رحمة أعدائها !

هذا الحسين الذي حدق بمنظار القرآن الكريم إلى واقع هذه الأمة ، وناداها بملء الحزن الجاثي على قلبه الطاهر : أن عودي إلى القرآن يا أمة القرآن فهو لك الدواء والحصن الحصين من كل داء ، وسعى الى انتزاع فتيل الضلال من حقول الغام الثقافات المغلوطة التي تنسف العقول وتجعلها كالصحراء الخاوية المفتقدة لكل مظاهر الوعي والبصيرة .

لم يصله حزنه الى هذا المرحلة وحسب بل صرخ الحسين في وجه المستكبرين بلهيب الأنفاس الموجوعة من كيد الأعداء ومكر الخبثاء ، والألسن في ذلك الوقت معقودة بألف سوط خشية وخوف ، ومتقهقرة الى تجاويف الحلوق تنوء بثقل الجبن والهزيمة والعار وتحترف مهنة الصمت المريب !!!

وماذا بعد ؟ هل صانت الأمة هذه النعمة المهداة إليها وأدركت حاجتها الماسة لمثل هؤلاء العظماء من أعلام الهدى ؟

كلا والف كلا ..فقد تأبط شرا به الأشرار بقلوبهم العمياء ونفسياتهم الخبيثة واساليبهم الوحشية ، وقدموا دمه الطاهر قرابين ولاء لأمريكا وقتلوه وهو الجريح المزمل بالدماء؟

فأي القلوب ستقوى على نسيان تلك الفاجعة ولهيب المظلومية الجائرة يجعلها في حالة من الغليان والألم الباذخ ؟

فقسما لوكان للحجر فم وشهد على مأساة الحسين لقال عنها حروفا ترتد صداها في رحاب كل الأرواح ، ولو كانت عيون الماء حاضرة في جرف سلمان مانزفت على الحسين إلا دما .