قراءة في خطاب سيد الثورة بذكرى الشهيد القائد
صلاح الدكاك
في تشخيص الصراع بصورة سليمة وصائبة، تحتاج إلى العلم بالقوانين المادية الناظمة لجدليات الصراع الطبيعية والاجتماعية.
وفي اتخاذ موقف عملي صائب وسليم منه، تحتاج إلى الإيمان بأن فوق القوانين المادية الناظمة للصراع قوة مطلقة ناظمة لما ينبغي أن يلتزمه البشر في خضم صراعهم من قيم وأخلاق ونواميس يستقيم بها حال الطبيعة بما يجنبها الكوارث والاختلالات والفساد الناجم عن نشاط الكسب الجائر، كفضاء تشاركي مذلل للمجتمعات البشرية على السواء، كما وحال البشر بما يحقق لهم الكفاية والعدالة والأمن كمخلوقات مستخلفة على الأرض لاستعمارها وفقاً لمشيئة الله.
جناحا هذه المعادلة المتمثلان في العلم والإيمان، هما جوهر المنهجية القرآنية التي تخلقت من رحمها مسيرة الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين، والتي تتجلى اليوم كمعرفة مهتدية في قيادة سيد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين، لدفة المسيرة باقتدار مشهود له في أوساط الخصوم قبل الأنصار.
ككل مرة نوشك أن نقع فيها ضحايا لمنزلق معتم من تحديات الصراع الذي نخوضه في وجه تحالف عدوان قوى الاستكبار الكوني، يطل سيد الثورة ليضيء مساحات العتمة بكشاف قرآني عملي تنفسح معه خيارات عبور ممكنة لم تكن في حسباننا.
الآيات التي يشرق من حروفها تشخيص سيد الثورة لمستجد التحديات وخيارات المواجهة، هي الآيات ذاتها التي ترعرعنا في مصب جرسها سماعاً وتلاوةً وتهجياً من مهد حواسنا إلى اتساع مداركنا، غير أننا نحس حين يستدل بها في سياق مقارباته، كما لو أننا نسمعها لأول مرة بهذا البعد وهذا السطوع وهذا السرد المذهل لمعضلات واقعنا الراهن على تعقيداته وتحدياته!
ما الذي يمكن أن يقوله سيد الثورة عن وباء معولم ترتعد في مواجهته اليوم فرائص شعوب العالم وحكوماته المصنفة كـ”عالم أول” علماً وتقانة وتحضراً ورفاهاً؟!
خطاب السيد القائد عبدالملك، أمس، في الذكرى السنوية لاستشهاد السيد حسين، كان المقاربة المتزنة المستبصرة الوحيدة لجائحة كورونا، بين سلسلة المقاربات الدولية السياسية والعلمية المذعورة أو الرامية لإشاعة الذعر التي رافقت ظهور الوباء المعولم منذ اللحظة الأولى لانتشاره في “ووهان الصينية” نهاية العام الفائت وحتى اللحظة.
ما من مقاربة انفسحت على أبعاد جائحة كورونا الأخلاقية والمادية في تشخيصها كما انفسحت مقاربة سيد الثورة.
وضع السيد القائد مشرط التشخيص على جوهر الخلل المنتج لمختلف الأوبئة والكوارث الطبيعية التي تعصف بالكوكب، والذي سيظل جوهر الخلل هذا يتناسل المزيد من المعضلات الكونية الأعقد من كورونا إذا لم تنهض الأمم والشعوب في مواجهته.
إنه نزوع الاستحواذ والتجريف الجائر لموارد الأرض يابسة وماء، سعياً لمراكمة القوة والثروة ومركزتها في أيدي الشركات العابرة للقارات والأنظمة الساعية لتعبيد البشرية، والتي انتهجت في سبيل طموحها مساراً شديد الشذوذ بترويض وتخليق الفيروسات والجراثيم كأسلحة في حربها على خصومها ومنافسيها ومن تصنفهم أعداءً لها دون كابح من قيم ولا أخلاق، ودون حساب لتبعات ذلك على الفضاء الكوني التشاركي البشري، وعلى مستقبل الحياة فيه، ودون اعتبار حتى لتبعات شذوذها ذلك على شعوبها ذاتها.
إن مواجهة كورونا -إذن- هي امتداد لمواجهتنا مع قوى الاستكبار الكوني التي تهلك الحرث والنسل والبر والبحر بشتى الأسلحة والمناشط الجائرة في سعيها لتحقيق وهم التفوق المطلق على سواها من شعوب وحضارات، وإعادة تشكيل العالم وفق أهوائها ونقائصها، غير مبالية باختلال القوانين المسيرة لحركة الكون المادية منها والأخلاقية القيمية.
“ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس”… الفساد المادي الناجم عن تغييب منظومة القيم الملزمة للبشر في مضامير الكسب والتسابق على الخيرات المادية المودعة في الأرض.
“وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد”.. الفساد كنتاج للانفلات من عروة المعرفة المهتدية، حيث يغدو العلم عين الجهل والحضارة عين التخلف لما يترتب عليهما من دمار وإفساد يطال الكوكب، وضرر يلحق بكل أحيائه وحيواته بلا استثناء، بالنقيض للمعرفة المهتدية التي تتوخى في كل حركتها ونشاطها الاجتماعي والعلمي صالح شعبها وشعوب العالم، وتهدف لخير البشرية جمعاء، وسلامة كوكب الاستخلاف ومكونات الطبيعة.
إن كورونا هو نتاج لأنشطة قوى الاستكبار التي تمثل الولايات المتحدة والصهيونية اليوم رأسها الأكبر الناظم لحركتها ونشاطها، ولا مفر في سبيل لجم هذا المسار الشاذ والكارثي من يقظة شعوب العالم واتخاذها مواقف رافضة ومناهضة له، وإلا فإن أصحاب هذا المسار سيرون في صمت الشعوب والأمم مكسباً لهم وبرهاناً على نجاح مناشطهم الجائرة وطغيان مراميهم الهدامة.. يقول سيد الثورة.
وبمنأى عن التحليق النظري يلخص ما ينبغي أن تنهض به أمتنا من دور في هذا المسار المناهض لطغيان قوى الاستكبار وشرورها في صورة تحويل تحدي وباء كورونا إلى فرصة يمكن أن تبرهن الأمة من خلال إدارة المواجهة معه على اقتدارها وأهليتها في دفع الضرر عن نفسها وعن بقية شعوب وأمم الأرض بالمعرفة المهتدية التي هي- على شتى المناشط – أقوم من كل معرفة منفلتة عن نواميس الله المادية والقيمية، وهي الساعية قولاً وعملاً لخير البشرية.
ينبغي عدم الوقوع تحت طائلة الذعر الناجم عن التهويل والاعتقاد بالعجز أمام فيروس مجهول لا سبيل لتلافي مخالبه، كما ينبغي عدم التهوين من خطره، بل التزام الإجراءات الوقائية، وإغلاق المجال أمام احتمالات توظيف قوى الاستكبار له في حربها العدوانية على شعبنا، وهي احتمالات راجحة جداً، وعلى شعبنا المثول لتعليمات الجهات المعنية في الحكومة بهذا الصدد.
إن اليسار والقوميين والوطنيين الذين ناهضوا الصهيوأمريكية قد وقع معظمهم في أتون الإحباط، وتماهوا كأدوات في مشروع من ناهضوه ذات يوم، لأن معرفتهم لم تكن معرفة مهتدية تستشرف أفق الخلاص والنصر من منهجية قرآنية حقة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وكثيرون قد استبهظوا تكاليف مقارعة الاستكبار يائسين من جدواها، واستخفوا تبعات الخنوع والرضوخ، فلم يغنهم ذلك عن باهظ التكاليف، بل ضاعفها عليهم وسد سبل السلام أمامهم.
هكذا تكلم سيد الثورة، فأجاب على كثير من استفهامات كانت مهيمنة على ذهني – بالأقل – وأذهان كثيرين ولا ريب، حول علمية الإيمان وإيمانية العلم، قبل أن تتجسد الإجابة تباعاً في المعرفة المهتدية لمسيرة قرآنية تجابه العالم وتنتصر، وهي في سبيلها لأن تحمل للبشرية بشارة الخلاص من حضيض الواقع الكوني المزري.
*لا ميديا