عطوان: كيف أسقط “حزب الله” الطّائرة المُسيّرة الإسرائيليّة التي انتهكت أجواء الجنوب؟ولماذا يَعتبِر الخُبراء الاستِحواذ عليها “كنزًا” من المعلومات التكنولوجيّة؟
عبد الباري عطوان
لم تستطع القيادة العسكريّة الإسرائيليّة نفي البيان المُقتضب الذي بثّه الإعلام الحربيّ التّابع لحزب الله حول إسقاط خليّة تابعة للحزب طائرة مسيّرة إسرائيليّة عصر أمس السبت اخترقت الأجواء اللبنانيّة بالقُرب من عيتا الشعب الجنوبيّة، واضطرّت “مُكرهةً” للاعتراف بصحّة ما ورد في هذا البيان، ولكنّها استطاعت كالعادة فرض حظر على وسائل الإعلام الإسرائيليّة يمنع تناول هذه المسألة لإخفاء اكبر قدر مُمكن من المعلومات والتّحليلات للمُعلّقين والخُبراء الإسرائيليين في إطار سِياستها التضليليّة.
المعلومات حول سُقوط هذه الطّائرة (من نوع مافيك) جاءت من “حزب الله” وأجهزته الأمنيّة، التي بثّت صُورًا للطائرة “بارخة” على أرض الجنوب الطّاهرة، ممّا يَعكِس حالة الثّقة التي تتمتّع بها هذه الأجهزة، وأداءها المهنيّ السّريع والدّقيق، الأمر الذي يُؤكِّد المُؤكَّد، وهو مدى ثقة الرأي العام الإسرائيلي ببياناتها، وصُدقيّة المعلومات التي تبثّها، وهذا ما يُفسّر نتائج استطلاعات الرأي التي تُفيد بأنّ 80 بالمِئة من الاسرائيليين يُصدّقون كُل ما يَرِد على لسان السيّد حسن نصر الله في خِطاباته الدوريّة، وبِما يجعلهم يُتابعون هذه الخِطابات بشغفٍ واهتمامٍ شديدين.
***
بيانات “حزب الله” حول إسقاط الطّائرة المُسيّرة التي كانت في مَهمّةِ تجسّسٍ في أجواء جنوب لبنان، كانت “مُقتضبةً” وهذا أسلوبٌ مَقصودٌ ومَفهومٌ، لأنّ المسألة ليست مسألة “تباهي” منفوخ مثلما هو حال بعض الجِهات العربيّة الأخرى، وإنّما مسألة إرباك مُتعمّد للعدو، وحِرمانه من التّفاصيل حول كيفيّة إسقاط هذه الطّائرة، ونوعيّة الدّفاعات الجويّة التي تَولّت هذه المسألة.
عندما يتعلّق الأمر بالحرب النفسيّة التي تُعتبر جُزءًا أساسيًّا في منظومة الصّراع بين “الحزب” والعدو الإسرائيليّ، فإنّ التّجارب السّابقة أثبتت تفوّقًا ملحوظًا لهيئات الحزب المُتخصّصة في هذا الميدان، حيث برَع الخُبراء “المجهولون” في تحقيق التّأثير المأمول في صُفوف الإسرائيليين.
دُخول الطّائرات المُسيّرة ميدان الحُروب، سواءً كانت تجسّسيّةً أو قتاليّة، هو التطوّر الأحدث والأكثر خُطورةً في الحُروب الحديثة، ولهذا فإنّ كيفيّة التّعاطي معها، ومُواجهتها، وإسقاطها بالتّالي، باتَ المِعيار الأهم، ولذلك فإن السؤال الذي يقلق الخبراء العسكريين الإسرائيليين هو كيفيّة إسقاط دِفاعات “حزب الله” لهذه الطّائرة، وثلاث مُسيّرات أُخرى قبلها، فوق الضّاحية الجنوبيّة قبل أشهر، ويتفرّع عن هذا السّؤال، سُؤالٌ آخَر حول نوعيّة السّلاح المُستخدم، فهل هو صاروخ؟ ومن أيّ نوع؟ وهل هو تصنيع تكنولوجي محلّي أم قادمٌ من التّرسانة الصاروخيّة الإيرانيّة؟
نسأل هذه الأسئلة، وفي ذهننا ما ذكرته صُحف إسرائيليّة قبل أيّام معدودة عن احتِمال رصد دولة الإمارات العربيّة المتحدة مِليارات الدولارات لشِراء منظومات دفاعيّة إسرائيليّة لإسقاط طائرات مُسيّرة يُمكن أن تخترق أجواءها، خاصّةً من قبل حركة “أنصار الله” الحوثيّة في اليمن، أو حتى من الجانب الإيراني في الشّواطئ الشرقيّة من الخليج.
لا نَستبعِد أن تكون هذه التّكنولوجيا العسكريّة قادمة من إيران، ليس بحُكم العُلاقة التحالفيّة القويّة بين “حزب الله” وإيران، وإنّما أيضًا لأنّ تقارير عسكريّة أوروبيّة تحدّثت بإسهابٍ عن التقدّم الكبير قي صِناعة الطّائرات المُسيّرة الإيرانيّة، وانعكَس هذا التقدّم في نجاح صاروخ إيراني في إسقاط طائرة “غلوبال هوك” الأمريكيّة التي اخترقت الأجواء الإيرانيّة فوق مضيق هرمز وعلى ارتفاع 20 كم، وهي الطّائرة التي تُعتَبر “درّة تاج” صناعة “المُسيّرات” الأمريكيّة.
***
استِحواذ “حزب الله” على هذه “المُسيّرة” الإسرائيليّة بعد إسقاطها، يعني الحُصول على “كنزٍ” كبيرٍ من المعلومات التقنيّة لا يُقدّر بثمنٍ، ومن المُؤكّد أنّ الخُبراء المُختصّين، ومن غير المُستبعد أن يكون الإيرانيين من بينهم، سيفحصون الأجهزة الإلكترونيّة المُتطوّرة المُجهّزة بها لجمع المعلومات، حيث جرت العادة أن تُقدِم القِيادة العسكريّة الإسرائيليّة على تدمير هذا النّوع من الطّائرات بعد إسقاطها لمنع الخصم من الاستِفادة من تحليل هذه الأجهزة، وربّما مُحاولة مُحاكاتها بطريقةٍ أو بأُخرى في إنتاج هذا النّوع من الطّائرات، ويبدو أنّ خلايا “حزب الله” قد أعدّت العُدّة مُسبقًا لإفشال كُل المُخطّطات الإسرائيليّة في هذا المِضمار، وإخفاء الطّائرة فور سُقوطها في أماكنٍ آمنةٍ وبسُرعةٍ وعدم الإعلان عن إسقاطها إلا بعد إنجاز هذه المُهمّة.
لا نعرف كيف سيكون ردّ القِيادة الإسرائيليّة على هذه الانتكاسة العسكريّة التي لَحِقَت بها، وأصابت سِلاحها الجويّ التجسّسيّ في مَقتلٍ، ولكن ما نعرفه أنّ القِيادة الإسرائيليّة ستعد للمِليون قبل التّفكير بإرسال طائرات أُخرى في مَهمّاتٍ مُماثلةٍ، فالأجواء اللبنانيّة لم تَعُد آمنةً، والطّائرات التي تنتهكها قد لا تعود سالمةً إلى قواعدها.. والأيّام بيننا.