النباء اليقين

مجزرة مِنى بعد عام من غياب الحقيقة والمحاسبة

عام مضى وصور مجزرة مِنى المؤلمة مازالت حاضرة في أذهان الجميع لحجم بشاعتها والعدد الكبير من الضحايا الشهداء ضيوف بيت الله الحجاج، وحجم المعاناة والآلام التي تركتها على أهالي الشهداء والمفقودين الذين ما زالوا ينتظرون أي معلومات صحيحة حول أحبّتهم والمجزرة المفجعة، حيث أّنّ سلطة الرياض لغاية اليوم لم تفتح ملفّات التحقيقات والكشف عن أسباب وقوع الجريمة وقتل الآلاف بشفافية، ولم تنشر أي مقطع تصويري لعشرات الآلاف من الكاميرات التي كانت تغطي موقع الكارثة (مشعر مِنى)، فالكاميرات حتما قامت برصد جميع الحركات للحجّاج قبل وأثناء وبعد الجريمة المروّعة وهو أقوى الأدلّة لمعرفة الحقيقة بشفافية!.

إنَّ صمت الرياض لغاية اليوم وعدم الموافقة على تشكيل أي لجنة فريق عمل بمشاركة دول وأهالي الضحايا، وعدم نشرها للمقاطع التي رصدت الكارثة وسقوط الآلاف من الضحايا، هو ليس جديداً بل هو يؤكّد على استمرار مسلسل سياسة التخبّط في إدارة موسم الحج الذي هو جزء من التخبّط والفشل في سياسة إدارة الوطن الداخلية والسياسة الخارجية.

إنَّ سياسة المملكة التي ثبتت الأيام فشلها عبر غياب العدالة والحريّة وفرض فكر أُحادي على المواطنين، وعدم احترام التعددية للحجّاج الذين يمثّلون كافّة المدارس الإسلامية، وجعل موسم الحج مناسبة تجارية لتحقيق مكاسب لأفراد العائلة الحاكمة ولتحقيق مصالح سياسية ضيّقة، ورفض مشاركة الدول الإسلامية في التعاون لخدمة الحجّاج هو أعظم شيء يعكّر صفوَ الحج ويقتل فرحة العيد الأكبر، فإدارة المملكة هي التي تتسبّب في قتل الحجّاج كل عام بسبب نفق أو تدافُع أو سقوط رافعة أو مرور موكب ملكي رسمي أو زيادة الغضب والتوتّر بمنع بعض المسلمين من تأدية فريضة الحج لأسباب سياسية.

من حق أهالي الضحايا الشهداء والمصابين والمفقودين وكذلك بقية المتابعين معرفة الأسباب، عبر التعامل مع الملّف بشفافية ومشاهدة مقاطع التصوير كما هي دون تغيير فهذا حق للجميع، وإنَّ عدم مبادرة الرياض بذلك نشر مقاطع التصوير ونتائج التحقيق لمدة عام يضع أكثر من علامة مثيرة، مما يشير على وجود ما يدل على وجود جريمة.

نعم ما وقع يوم العيد في ” مشعر مِنى ” بسقوط الآلاف من الضحايا بين شهيد وجريح ومفقود مجزرة وجريمة بشعة، بل هي أعظم جريمة تقع في موسم الحج في التاريخ الحديث، وإذا كانت تلك جريمة فهذا يعني وجود مجرمين ارتكبوها، ينبغي محاسبتهم وتقديمهم للعدالة، وتشكيل لجنة إسلامية أو دولية للمساهمة في التحقيق في وقوع تلك الجريمة، حيث إن الرياض تتلكأ بعدم تقديم ونشر نتائج التحقيقات بمشاركة دول وأهالي الضحايا، فالأرواح التي سقطت عزيزة وغالية جدّاً.

وإنَّ ما حدث في يوم العيد كارثة مجزرة مِنى في موسم حج 2015 هو حلقة من حلقات غياب العدالة والحقوق، وانتشار الفساد في جسد المملكة بسبب سياسة السُلطة، ونتيجة سيطرة وزارة الداخلية  ذات العقلية الأمنية التي تتعامل بالبطش والاعتقال والترهيب على مؤسّسات الوطن ومنها إدارة الحج، التي سبّبت وتسبّب وقوع المزيد من الأزمات والكوارث داخل الوطن وخارجه.

لنا أهل وأصدقاء وأحبّة سقطوا شهداء في تلك الجريمة المأساوية، مع الآلاف من الحجّاج ضيوف بيت الله، وقد قامت حكومة الرياض بدفنهم دون إبلاغ ذويهم أو معرفة شخصياتهم أو الإعلان عن عددهم، ببرودة أعصاب وكأنَّ هذه الجثث لا تمثّل أي قيمة ولا يوجد من يسأل عنها، ونشرت أخبار غير صحيحة عن عدد الضحايا، ووضعت آلاف الأسماء ومنهم من دفنوا على لائحة المفقودين مما سبّب حالة من القلق الشديد والخوف لدى الأهالي الذين عاشوا أيام وليالي وأشهر صعبة عصفت بمشاعرهم ينتظرون أي أخبار، وهذا يدل على الاستهتار والاستهانة من قبل الرياض بالجثث وبمشاعر الأهالي مما شكّل صدمة وكارثة تجعل المتابع لا يثق بها.

الصور العديدة التي نُشرِت لجثث الشهداء وهي متراكمة فوق بعض على جوانب الطرق تؤكّد أنَّ الرياض قد تعاملت مع جثث ضيوف بيت الله العتيق لتأدية الحج، بطريقة غير لائقة وغير محترمة بل فيها إهانة للإنسان الحي والميت، وهذا يؤكّد أنَّ مؤسّسات الرياض لا تملك أبسط المشاعر الإنسانية.

ولكل ضحية من الشهداء والمفقودين في مشعر مِنى، من أي دولة أو عِرق أو قومية أو لون، أعزّاء وأحبّة لا يمكنهم نسيان ما حدث في مجزرة مِنى، ولكل شهيد قصة ينبغي أن تًذكَر وتُكتَب، لتبقى قضيتهم حيّة إلى الأبد، لأن شهادتهم وافتقادهم بداية قصّة خالدة.

 من الذين سقطوا شهداء في كارثة مِنى المفجعة أحبّة لنا كالشهيد جواد حسين السعيد (الاحساء الدمام)، الذي ظلّ مفقوداً بعد انقطاع التواصل معه يوم العيد قبل حدوث المجزرة، ورغم التواصل الدائم مع الحكومة التي كانت تنفي علمها بأي معلومة عنه، ظلّ مفقوداً لفترة طويلة إلى ان كشفت السلطات الرياض أنها قامت بدفنه في مكّة ضمن المئات بعد مجزرة مشعر مِنى الأليمة! .

 دفنته دون إبلاغ عائلته بشهادته، ودون أخذ إذن الدفن، وهذا ما حدث أيضاً مع الشهيد الحاج عبد الله ال ابراهيم (صفوى)، والشهيد الحاج عبد العزيز ال ربح (القديح)، حيث طالب الأهالي بالجثث وتم دفنها من جديد في مدنهم بين أهاليهم!، ومثل ذلك حدث للآلاف من الشهداء خارج الوطن.

 إنَّ مواصلة الرياض التعامل مع ملف كارثة (مشعر مِنى) بغطرسة دون أي مشاعر إنسانية ومسؤولية وشفافية ومحاسبة، يعني استمرار المطالب والتوتّر، وسيجعل فاجعة مِنى حيَة، وستبقى الرياض هي الجهة المسؤولة حول الجريمة والمجزرة المفجعة.

نعم ما حدث في “مشعر منى” جريمة إنسانية، فينبغي الكشف عنها بشفافية لمعرفة الحقيقة وهذا حق لكل أهالي ودول الشهداء، ومحاسبة من تسبب في المجزرة البشعة لعدم تكرارها، ولكي يتحقق ذلك على الدول الاسلامية وبالخصوص من سقط منها ضحايا ودول العالم الحرة المطالبة بكشف الحقائق لأنها قضية تهم ملايين البشر، كما ان صمت الكثير من الدول ومعظم الوسائل الإعلامية حول تلك الجريمة أمر مخزي بل مشاركة في الجريمة.

الرحمة على روح الشهداء وساعد الله أهاليهم وأحبّتهم وندعم حقّهم بمعرفة الحقيقة بشفافية.

  نعم لحج مبرور خالي من الكوارث وسقوط آلاف الضحايا.

علي آل غراش