النباء اليقين

كاتب سعودي يكشف اخطر مشاريع العدوان في اليمن بعد اخفاقاته العسكرية

الهدهد نت/ متابعات

كثر الحديث مؤخراً، عن مساعي النظامين السعودي والإماراتي في اليمن، لتقسيم هذا البلد إلى كانتونات، وعن تحركاتهما في حضرموت و في الجنوب، في هذا الاتجاه، وتجنيدهما لعدد كبير من الشخصيات اليمنية الأمنية والسياسية للعمل في إطار تلك المساعي.

في الحقيقة، أن هذا التوجه، أي محاولات السعودية تقسيم اليمن، لم يكن بالشيء أو التطور الجديد، فقضية تقسيم اليمن، هي مفصل أساسي من مفاصل الاستراتيجية السعودية إزاء هذا البلد، منذ قيام كيان آل سعود وحتى اليوم،  مادام هذا التقسيم يضمن ضعف اليمن وتأجيج الصراعات الداخلية بين مكوناته. لأن بقاء اليمن ضعيفاً، يعتبر ثابتاً من ثوابت السياسة السعودية.

منذ قيام الدولة السعودية، تجسّد هذا الثابت في المعادلة المشهورة التي وضعها مؤسس النظام السعودي عبدالعزيز آل سعود، وبدعم وحماية البريطانيين، وتتخلص هذه المعادلة بالمقولة :” بقاء اليمن ضعيفاً يعني قوة النظام السعودي وبالعكس” أو بعبارة أخرى “إنها قوة السعودية من ضعف اليمن وضعفها من قوة اليمن”. وكما هو معروف أيضاً، أن عبدالعزيز أوصى أولاده بالالتزام بها وعدم السماح لأحد للإخلال بها وبالتالي ضياع ملكهم وهلاك نظامهم.

ومما هو معروف أيضاً، أن أبناء عبدالعزيز التزموا بهذه المعادلة التزاماً صارماً، فسياساتهم تجاه اليمن ارتكزت إلى تلك المعادلة، منذ وفاة عبدالعزيز آل سعود وحتى اليوم.. قد تتغير الأساليب والاستراتيجيات بين الحين والآخر بحسب متطلبات المرحلة، لكن الهدف يبقى كما هو، أي إضعاف اليمن وعدم السماح له بالنمو والتطور والنهوض مما يجعله قوياً متفوقاً على جيرانه.

فحينما كان التقسيم يلبي هذا الهدف، شجعت السعودية في الستينات والسبعينات على تقسيم اليمن إلى قسمين جنوبي وشمالي، متصارعين، وظلت تغدي هذا الصراع بين الطرفين، وتتدخل في شؤونهما طيلة عقود، بل وقامت باغتيال الرئيس حمدي رئيس القسم الشمالي وعندما وجدت انه بدأ  ينحي بالبلاد نحو الابتعاد عن هيمنة آل سعود وتلاعبهم بمقدرات وشؤون بلاده، والقصة كلها معروفة.

يضاف إلى ذلك، أن ما عزز القلق والخوف السعودي من وجود اليمن الجنوبي اليساري على حدودهم، هو أن الاتحاد السوفيتي الذي كان يتخذ من ساحات البلدان اليسارية منطلقاً للتحرك نحو ساحات النفوذ الغربي الأمريكي لسلخها من دائرة النفوذ هذه عبر القضاء على أنظمتها من خلال الزحف اليساري أو الانقلابات التي يقودها ضباط يساريون مؤيدون  للسوفيت وبإسقاط اليمن الجنوبي ونظامه، والحاقة باليمن الشمالي تخلصت السعودية من هذا الخطر على حدودها، ومادام اليمن الموحد يخضع لنظام، هو تحت هيمنة ونفوذ النظام السعودي، فهو لا يشكل خطراً على السعودية.

وبنفس الوقت أنها تضمن بقاءه ضعيفاً عبر توظيفها تناقضاته وخلافات مكوناته السياسية والقبلية في إطار هذا للهدف أي بقاءه ضعيفاً مفككاً سياسياً، واجتماعياً، حيث لعبت الأموال السعودية الطائلة دوراً فعالاً ومحورياً في شراء الولاءات، وفي شراء الشخصيات السياسية والقبلية صاحبة النفوذ ومساعدتها في تبوء مناصب عليا في نظام الدولة، ما ضمن ذلك للنظام السعودي في أن يكون الآمر والناهي في اليمن وبلا منازع.

اليمن بعد ثورة 2011م

مثلما حصل في تونس، وفي مصر وفي ليبيا، أيضاً حصل في اليمن، حيث تحرك الشعب اليمني ضد النظام القائم يومذاك بقيادة على عبد الله صالح وباقي رجالات النظام كعلي محسن الأحمر وعبدربه منصور هادي نائب الرئيس وآل الأحمر في حزب الإصلاح وغيرهم كثيرهم كثير، ثار الشعب اليمني لوضع حد للحرمان وللفقر ومعاناة أبناءه طيلة تلك العقود، وللتخلص من هيمنة النظام السعودي وتلاعب هذا الأخير بشؤونه ومقدراته، وحرمانه من التنمية والتطور، وعدم الاهتمام بكفاءاته وما إلى ذلك…ما شكل ذلك جرس إنذار للنظام السعودي ولرجالاته، فهرع هذا النظام بكل ثقله وبمعية أنظمة خليجية أخرى مثل قطر والإمارات للالتفاف وإجهاض تلك الثورة وحرفها عن مسارها وإفراغها من محتواها الحقيقي  كما فعلت هذه الأنظمة مع الثورات الأخرى في ليبيا وفي تونس وغيرها.

وقد نجحت السعودية بمصادرة الثورة بنقل رجالاتها الذين كانت قد اشترت ولائهم مثل علي محسن الأحمر قائد الفرقة الأولى المدرعه، وآل الأحمر زعماء قبيلة حاشد التي تتمتع بنفوذ قبلي وسياسي كبيرين في اليمن.. وغيرهم كثير، نقلتهم إلى خندق الثورة بحجة انشقاقهم عن علي عبد الله صالح وانضمامهم إلى الثائرين وبهذه الرجالات تمكنت السعودية من الإمساك ببوصلة الثورة وتوجيهها الوجهة التي تخدم مصالحها…

وفعلاً نجحت السعودية في ركوب موجة الثورة والالتفاف عليها، عبر ما يسمى بالمبادرة الخليجية، والمجيء بعبد ربه منصور هادي الرئيس الفار حالياً، لفترة انتقالية بدلاً من علي عبد الله صالح الذي حاولت السعودية اغتياله في جامع النهرين في صنعاء.

تولى منصور هادي وبرعاية سعودية وأمريكية في هذه الفترة إدارة حوار مكونات الشعب اليمني السياسية للاتفاق على نظام يمني يلبي طموحات الشعب وينهي النظام السابق وما إلى ذلك من الشعارات؛ وفعلاً انطلق الحوار في تلك الفترة، وتحت الرعاية والرقابة السعودية، وشارك فيه بداية أنصار الله لكنهم قاطعوه فيما بعد لاكتشافهم انه جاء لتمييع  الثورة والقضاء عليها، ولتحقيقه أجندات لا تلبي اليمنيين، وفعلاً جاءت نتائج هذا الحوار، التي يصطلح عليها مخرجات الحوار مخيبة لآمال الشعب اليمني سيما فيما يخص تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم.

الأقاليم اليمنية والأهداف السعودية الكامنة ورائها

الأقاليم التي توصلت إليها مخرجات الحوار هي :

1-     إقليم حضرموت وعاصمته المكلا ويضم مناطق المهرة وحضرموت وشبوة وسقطري.

2-     إقليم سبأ وعاصمته سبأ، ويضم مناطق الجوف ومأرب والبيضاء.

3-     إقليم عدن وعاصمته عدن ويضم مناطق عدن وأبين والضالع.

4-     إقليم الجند وعاصمته تعز ويضم مناطق تعز وأب.

5-     إقليم أزال وعاصمته صنعاء ويضم مناطق صنعاء وصعدة وذمار وعمران.

6-     إقليم تهامة وعاصمته الحديدة وفيه مناطق الحديدة وريمة وحجة.

وترتبط هذه الأقاليم بنظام فدرالي أي بحكومة مركزية تتولى الدفاع والخارجية والمالية، فيما تقوم الفدراليات (الأقاليم) بإدارة نفسها وتعيين سياساتها الداخلية وطرق تنميتها واستغلال ثرواتها بشكل مستقل عن بعضها البعض الآخر. وإذا تمعنا في هذا التقسيم نجد انه يلبي الأهداف السعودية أكثر مما يلبي طموحات الشعب اليمني ومكوناته رغم انه، أي هذا التقسيم، تم بأدوات يمنية للأسف، فهو:

1-     يشكل ضربة قاصمة لوحدة الشعب اليمني ويكرس محاولات النظام السعودي إثارة الفرقة بين مكوناته السياسية والقبلية.

2-     من شأن هذا التقسيم أن يولد خلافات جغرافية وادارية نظراً للتداخل بين القبائل اليمنية ونظراً لعدم وجود حدود جغرافية واضحة بين المحافظات والأقضية والنواحي وهذا يعني تفجير مئات الصراعات بين قبائل هذه الفدراليات وبين وحداتها الإدارية، يمكن أن تستمر لعشرات السنين، وهذا من شأنه أن يشغل الشعب اليمني ويلهبه عن التنمية والتطوير ويبقيه ضعيفاً…

3-     هذا التقسيم يؤمن للسعودية القدرة في دفع أي إقليم إلى الانفصال لاحقاً عن الجسم اليمني وإعلان دولة مستقلة بإشراف ورعاية سعودية وهذا ما يقود بالتالي إلى تمزيق الجسد اليمني وتقسيم اليمن إلى كانتونات فاشلة تتلاعب بها السلطات السعودية كيفما تريد.

4-     راعى السعوديون في هذه التقسيمات إيجاد خلافات بالقوة بين هذه الأقاليم كما فعل الانجليز عندما قسموا الوطن الإسلامي، من مثل قضم منطقة من إقليم وضمها إلى إقليم آخر، أو روعي لبعض الأقاليم إطلالتها على البحر فيما كان الإجحاف من نصيب أقاليم أخرى وهكذا…وذلك لضمان اشتعال الصراع بين هذه الأقاليم…وتكريس حالة الانقسام بين مكونات الشعب اليمني.

ثورة أنصار الله وحلفائهم التصحيحية

الشعب اليمني ومكوناته السياسية الوطنية مثل انصارالله وحلفائهم، أدركوا خطورة هذا التقسيم، وما تسعى السعودية من ورائه، فقاموا بثورة عارمة على مرتزقة السعودية، انتصرت في 21ستمبر عام 2014، وفر هؤلاء المرتزقة وعلى رأسهم الرئيس المعزول عبدربه منصور هادي إلى الرياض، وأصبحت هذه التقسيمات في مهب ريح الثورة، وتبخرت معها مساعي وطموحات النظام السعودي في تقزيم هذا البلد العريق.

وإزاء هذا التطور وجد النظام السعودي، إن اليمن سيفلت من قبضته، وسينهض من كبوته وبالتالي سيتحول إلى قوة كبيرة في المنطقة، يمكن أن تشكل خطراً على النظام السعودي بحسب تصورات وحسابات هذا الأخير، ولذلك شن عدوانه  بالاستفادة من الغطاء الذي وفره له مرتزقته من أمثال عبدربه هادي، ومحسن الأحمر فآل الأحمر وباقي عناصر الشلة اليمنية المتحالفة مع الرياض.

وكما بات معروفاً، كان النظام السعودي يتصور انه بمقدوره وبسرعة فائقة أن يعيد أدواته إلى صنعاء، وسيفرض التقسيم الآنف على الشعب اليمني ولذلك نزل بكل ثقله وثقل حلفائه عسكرياً ومالياً واعلامياً في مواجهة أنصار الله وحلفائهم عسكرياً وإعلامياً، وفرض حصاراً جوياً وبرياً وبحرياً على الشعب اليمني، واستنجد بأقوى الشركات الأمنية الأمريكية الصهيونية مثل شركة بلاك ووتر.

لكن رغم استخدامه كل الإمكانات العسكرية والدعم اللوجستي الذي تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني. ورغم أكثر من 20شهراً على هذا العدوان، إلا أن الشعب اليمني ومقاتليه من أنصار الله والجيش اليمني واللجان الشعبية أبدوا مقاومة عنيفة وثباتاً منقطع النظير، أدهل أعدائهم قبل أصدقائهم، أكثر من ذلك أنهم الحقوا الهزائم تلو الهزائم بالمعتدين الغزاة، وتوغلوا في عمق المناطق الجنوبية لمملكة آل سعود، التي هي كما يعتقد اليمنيون، مناطق يمنية احتلها آل سعود، في ثلاثينات القرن الماضي.

النظام السعودي وضغوط العدوان

لأن النظام السعودي بات في مأزق متفاقم من استمرار العدوان، فهو وحلفائه باتوا على قناعة تامة إنهم لن يحققوا أي مكاسب مع تواصل هذا العدوان، على العكس انه يعرضهم إلى مزيد من الاستنزاف العسكري والمالي والاقتصادي، فيما يعزز فرص انتصار الشعب اليمني ومقاتليه ويقربهم من التخلص من الهيمنة الأمريكية الصهيونية السعودية.

هذا الواقع فرض على النظام السعودي خيارين لا ثالث لهما، هما أما إيقاف العدوان والاعتراف بالهزيمة، وذلك له ثمن باهظ يترتب عليه فيما بعد، قد ينهي الوجود السعودي، أي وجود نظام آل سعود.

وأما الخيار الآخر، وهو تقسيم اليمن، أو على الأقل وضع أسس هذا التقسيم، والتخطيط لحرب داخلية طويلة الأمد تظل تستنزف الشعب اليمني وتشغله عن التنمية وعن الثأر من النظام السعودي وحلفائه الذين ارتكبوا جرائم بشعة بحق هذا الشعب المظلوم بدون سبب أو مبرر مقنع سوى انه أراد أن يبني نفسه ويتخلص من الظلم والهيمنة والاستعمار.

كان اختيار الأمريكان والصهاينة والسعوديين للخيار الثاني، ولذلك تتحرك هذه الأطراف اليوم على تنفيذ هذا المخطط الخبيث، حيث رصدت بعض وسائل الإعلام العربية، ومنها صحيفة الأخبار اللبنانية هذا التحرك وتحدثت عنه، وبحسب ما ذكرته صحيفة الأخبار في عددها ليوم 12/12/2016، فأن كل من السعودية والإمارات قطعا شوطاً كبيراً في تهيئة الظروف لانفصال حضرموت، إذ أن السعوديين يحثون رموز حضرموت أو بعضهم لعقد مؤتمر في حضرموت يتبنى وثيقة ” حضرموت الرؤية والمسار” وهي وثيقة تحول حضرموت إلى جزء من اليمن في إطار إقليم اتحادي، أما الإمارات فهي تعمل على تشكيل جيش خاص بالمحافظة تحت مسمى النخبة الحضرمية، وجميع ضباطه وعناصره من المحافظة نفسها، والآن تعمل على رفع عديد هذا الجيش إلى اثنى عشر ألف مقاتل.

أما بخصوص الجنوب، فالعمل فيه ضمن هذا التوجه قائم على قدم وساق وبمشاركة الولايات المتحدة الأمريكية، ونقل موقع الأمناء نت اليمني يوم17/12/2016، أن فريق العمل الأمريكي من أجل جنوب اليمن بدأ عمله رسمياً من العاصمة الأمريكية واشنطن،وهذا الفريق يتألف من عدد من قيادات الجنوب اليمني من ذوي الجنسيات الأمريكية بالإضافة إلى عدد من الخبراء الأمريكان المهتمين بشؤون اليمن والمنطقة. ويقول الموقع المذكور، أن هذا الفريق يعمل الآن على مسارين: الأول- الجنوبي بأبعاده المستقبلية وفقاً لما يسميه هذا الفريق من شعب الجنوب في تقرير مصيره واستعادة دولته كاملة السيادة، بالتواصل والتنسيق الكامل مع القيادات والمكونات الجنوبية ومنظمات المجتمع المدني الجنوبي في داخل اليمن وخارجه مع القيادات والنشطاء السياسيين والجنوبيين.

أما المسار الثاني: فهو يتمحور في التواصل مع الإدارة الأمريكية وسائر المؤسسات الرسمية والشعبية الأمريكية. ويجري هذا النشاط بالتنسيق مع النظامين السعودي والإماراتي وتمويلهما. والهدف واضح هو إرساء الصراع بين الجنوبيين والشماليين في اليمن لاستنزاف بلدهم وشعبهم، والمستفيد من ذلك أمريكا والصهيونية الرامية إلى تقسيم المنطقة، وأيضا النظام السعودي كما أشرنا في بداية هذه السطور. على أن الشعب اليمني بوعيه ويقظته سيفوت الفرصة على أعدائه مثلما نجح في إجهاض ما سبق من مشاريع تقسيمية ومن محاولات إثارة فتق وحروب داخلية.

عبد العزيز المكي