النباء اليقين

عبد الباري عطوان: 5 اسباب وراء فتح اردوغان النار فجأة على الأسد..

ربما لا نبالغ إذا قلنا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من أكثر الزعامات “الشرق أوسطية”، بل حتى العالمية، إثارة للجدل، والأكثر صعوبة بالنسبة إلى السياسيين والمحللين، للتنبؤ بمواقفه، وتحركاته، وتحالفاته، وجاءت تصريحاته الأخيرة “المفاجئة”، التي أدلى بها في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، وهاجم فيها الرئيس بشار الأسد، ووصفه بأنه “إرهابي” ولا يمكن التوصل إلى حل في سورية في ظل بقائه في السلطة، لتؤكد عمليا ما نقول.

العلاقات السورية التركية دخلت في الشهرين الماضيين درجة عالية من التطور الإيجابي، بسبب الدور الفاعل للوسيط الروسي في التقريب بين الجانبين، و”العدو الكردي” المفترض لها، وترافق ذلك مع هدنة إعلامية، وكان لافتا أن الرئيس أردوغان لم يوجه أي هجوم على الرئيس الأسد منذ عام تقريبا، ولم يطالب برحيله، وذهب إلى ما هو أبعد من ذلك الشهر الماضي، عندما قال لصحافيين كانوا يرافقونه في طائرته أثناء عودته من قمة سوتشي الثلاثية، وكان بينهم مراسل صحيفة “حرييت” واسعة الانتشار، قال أنه لا يستبعد فتح قنوات الحوار مع سورية، وأضاف “الأبواب في السياسة تظل دائما مفتوحة حتى آخر لحظة”، ونفى في الوقت نفسه ما نشرته الصحيفة نفسها أنباء عن لقاء سري بينه والرئيس السوري.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو عن الأسباب التي تكمن خلف هذه “الغضبة الأردوغانية”، التي استدعت ردا سوريا قويا عليها، وصلت إلى درجة اتهام بيان الخارجية السورية له بأنه يضلل الرأي العام التركي بـ”فقاعاته” المعتادة “لتبرئة نفسه من الجرائم التي ارتكبها في حق الشعب السوري عبر تقديمه الدعم اللامحدود بمختلف أشكاله للمجموعات الإرهابية في سورية”، وأضاف البيان “أن أردوغان حول تركيا إلى سجن كبير” واتهمه بجنون العظمة.

هناك عدة احتمالات ربما تفسر هذا الهجوم المفاجئ من الرئيس أردوغان على الرئيس الأسد وتجديد المطالبة برحيله.

الأول: إصرار الجانب الروسي على إشراك وحدات حماية الشعب الكردية (بي واي دي) في مؤتمر الحوار السوري في منتجع سوتشي أواخر الشهر المقبل، الأمر الذي يعارضه الرئيس أردوغان بشدة، وعبر عن معارضته هذه بالإيعاز إلى أكثر من 40 فصيل سوري معارض لإصدار بيان برفض المشاركة في المؤتمر.

الثاني: التحرك السوري الروسي المشترك باتجاه إدلب، ومحاولة استعادتها، وهذا يعني إنهاء الوجود التركي في المدينة وريفها، بل وسورية كلها، وهجرة عشرات الآلاف من سكان المدينة والمقاتلين فيها إلى تركيا في حال نجاح هذا التحرك في السيطرة على المدينة وريفها.

الثالث: تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي قال فيه أن المرحلة المقبلة في الحرب السورية هي القضاء على جبهة “النصرة” قضاء مبرما، باعتبارها جماعة “إرهابية”، وبدأت عملية التصفية هذه بإجلاء مقاتليها من غوطة دمشق الغربية، وبعد ذلك من المتوقع أن تبدأ المرحلة النهائية في إدلب.

الرابع: تردد أنباء عن وجود مخطط روسي سوري بتصفية أبو محمد الجولاني، زعيم جبهة النصرة الذي يعتبر أحد أبرز المقربين إلى تركيا، بل ويوصف بأنه أحد رجالها، الأمر الذي أغضب أردوغان شخصيا لأنه يعتبر هذا المخطط في حال تنفيذه استهدافا له.

الخامس: وصول معلومات استخبارية إلى السلطات التركية تفيد بأن نظيرتها السورية تنسق عسكريا بشكل مكثف مع الأكراد في عفرين ومناطق أخرى في الشمال السوري الكردي، وهو ما يعتبر خطا أحمر بالنسبة إلى الرئيس أردوغان، وتعززت هذه المعلومات باستقبال الرئيس الأسد قبل أيام معدودة وفدا من شيوخ عشائر كردية في قصر المهاجرين في دمشق.

من الصعب علينا التكهن بتطورات هذه الأزمة المفاجئة بين الرئيس أردوغان وحلفائه الروس، وتصعيده ضد الرئيس الأسد، وردة الفعل الإيرانية عليها، لكن ما يمكن قوله بشكل أولي أن الرئيس التركي يهدد بقلب الطاولة على الجميع، وخلط الأوراق، في محاولة لاجبار الجانب الروسي تحديدا على التجاوب مع مطالبه وأبرزها “الفيتو” الذي يشهره في وجه أي مشاركة كردية في مؤتمر سوتشي أواخر الشهر الحالي، ومستقبل سورية بالتالي، ولعل إرساله رئيس الوزراء بن علي يلدريم إلى الرياض أحد أوراق الضغط التي يلوح بها، وكأنه يوجه رسالة تقول بأن البديل الآخر جاهز.

الروس، وحسب مصادر مقربة منهم، جادون في المضي قدما في ترتيبات مؤتمر الحوار في سوتشي، ومشاركة الأكراد فيه باعتبارهم أحد المكونات السورية، وإنهاء وجود “جبهة النصرة”، وفصائل أخرى مسلحة متحالفة معها في منطقة إدلب، الأمر الذي قد “يضعضع” التحالف الثلاثي الروسي الإيراني التركي الذي تبلور في قمة سوتشي قبل شهر تقريبا إذا لم يتم تطويق الخلاف مع تركيا، وامتصاص “الغضبة الأردوغانية” سريعا.

“الحرد” التركي ليس جديدا، وأثبتت التجارب السابقة أن فلاديمير بوتين، وبما يملكه من حنكة، ودهاء، قادر على التعاطي بفاعلية مع حلفائه “المشاغبين”، وامتصاص غضبهم بالتالي، وإعادتهم إلى بيت الطاعة الروسي في نهاية المطاف.. لأن الخيارات الأخرى محدودة ومكلفة جدا.. وما علينا إلا الانتظار.

رأي اليوم